عن مذمومها» .
ويفسر رؤيته وتعريفه بقوله: «وتستطيع أن تقيس مستوى الخلق النفسي عن طريق قياس آثاره في سلوك الإنسان: فالصفة الخلقية المستقرة في النفس إذا كانت حميدة كانت آثارها حميدة، وإذا كانت ذميمة كانت آثارها ذميمة، وعلى قدر قيمة الخلق في النفس تكون- بحسب العادة- آثاره في السلوك، إلّا أن توجد أسباب معوقة أو صوارف صادرة عن ظهور آثار الخلق في السلوك» .
ويفرّق بين الصفات الخلقية والغرائز، فيقول: «وليست كل الصفات المستقرة في النفس من قبيل الأخلاق، بل منها غرائز ودوافع لا صلة لها بالخلق، ولكن الذي يفصل الأخلاق ويميزها عن جنس هذه الصفات كون آثارها في السلوك قابلة للحمد أو للذم، فبذلك يتميّز الخلق عن الغريزة ذات المطالب المكافئة لحاجات الإنسان الفطرية» .
ويقول: «إن الغريزة المعتدلة ذات آثار في السلوك، إلّا أن هذه الآثار ليست مما يحمد الإنسان أو يذم في باب السلوك الأخلاقي، ولكن الشره الزائد عن حاجات الغريزة العضوية أمر مذموم، لأنه أثر لخلق في النفس مذموم، هو الطمع المفرط، وعكس ذلك أثر لخلق في النفس محمود هو القناعة. وهكذا سائر الغرائز والدوافع النفسية التي لا تدخل في باب الأخلاق، إنما يميزها عن الأخلاق كون آثارها في السلوك أمورا طبيعية ليست مما تحمد إرادة الإنسان عليه أو تذم» «١» .
نخلص مما سبق إلى عدة أمور:
١- أن مبحث الأخلاق من المباحث العلمية الهامة والعظيمة التي اهتم بها العلماء المسلمون على اختلاف تخصصاتهم العلمية وما يزال هذا البحث من أهم المباحث على المستوى الفكري الإسلامي وغير الإسلامي مع اختلاف في الفهم.
٢- أن فهم الخلق بمقتضى اللغة، والتحديدات التي اصطلح عليها العلماء لا يخرج عن المعاني التالية:
- السجية أي الطبيعة المتمكنة في النفس سواء كانت حسنة أو قبيحة.
- العادة والطبيعة، والدين والمروءة.
- ملكة تصدر الأفعال بها عن النفس بسهولة من غير تفكير ولا روية وتكلف.
- صفة مستقرة في النفس ذات آثار في سلوك الفرد والمجتمع قد تكون محمودة أو مذمومة.
٣- أن الأخلاق تعكس مجموعة من التصورات الأساسية التي يعتنقها الناس، ويصوغون حولها
(١) عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني: الأخلاق الإسلامية وأسسها، الطبعة الأولى، دمشق، دار القلم، ١٣٩٩ هـ- ١٩٧٩ م، ج ١، ص ٧- ٨.