للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرسالة الإسلام هى رسالة الله للإنسان، وهذا يجعلنا نقول إن إرساء الإسلام لهذه الأخلاق إنما كان لتحقيق مصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة، فأخلاق الإسلام كشريعته وعقيدته جاءت ليحصل بها السعادة في الدنيا والآخرة، وتحقيق كافة كمالات الإنسان، ذلك لأن جميع ما في الإسلام «من عقائد وعبادات ومعاملات تتكفل بتحقيق كل مصالح العباد بقسميها الدنيوي والأخروي، فالمسلم المتمسك بأحكام الدين في معاملاته مع الناس من حيث إنها أوامر إلهية، بالائتمار بها، ينال جزاء ذلك في الدنيا بالوصول إلى منافعه، وفي الآخرة بلوغ مرضاة الله وجناته» «١» .

وإذا كانت الغاية من الشرائع السماوية، حصول السعادة في الدارين، فإن هذا يدلنا على أن الله سبحانه لم يترك عباده سدى، بل أنعم عليهم بعد نعمة الخلق بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتب المتضمنة لهداية العباد إلى الحق والخير والسعادة، وجميع الأحكام الكلية والجزئية إنما تهدف إلى تحقيق مصالحهم، وقد اتفقت كلمة العلماء على أن أحكام الله تعالى قائمة على رعاية المصالح، وإن اختلفت العبارات في ذلك «٢» .

والمقاصد الكلية للشريعة تنحصر في المحافظة على كل من: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال «٣» ، ولو اختل واحد من هذه الأمور الخمسة لاختلت لأجله الحياة، وقد شرع الله لحفظ هذه الضروريات أحكاما لوجودها، وأخرى للمحافظة عليها حتى لا تنعدم بعد الوجود، ووجوب المحافظة على هذه الأمور معلوم على سبيل القطع، وجاءت وسائل الحفاظ عليها في ثلاث مراحل حسب الأهمية، وتتمثل في الضروريات، والحاجيات والتحسينات.

فالضروريات: ما لا بد منه في حفظ الكليات الخمس، ويكون ذلك بإقامة أركانها، وتثبيت قواعدها وبدرء الفساد الواقع أو المتوقع عليها. وفي هذا الإطار شرع الشارع أوامر لتقويم الأركان والوجود، وأوامر أخرى لحفظها من الهدم والفساد، فهى أوامر ونواهي.

أما الحاجيات: فمعناها أنه قد تتحقق من دونها الأمور الخمسة، ولكن مع الضيق، فشرعت لحاجة الناس إلى رفع الضيق عن أنفسهم، كي لا يقعوا في حرج قد يفوت عليهم المطلوب، ومن هذا المجال الرّخص، وإباحة التمتع بالطيبات والتوسع في المعاملات، وغير ذلك.

والتحسينات: هى الأمور التي إذا تركت لا يؤدى تركها إلى ضيق، ولكن مراعاتها متفقة مع مبدأ الأخذ بما


(١) محمد سعيد رمضان: ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، الطبعة الرابعة، بيروت، مؤسسة الرسالة، ١٤٠٢ هـ/ ١٩٨٢ م، ص ٨٥.
(٢) يوسف حامد العالم: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ١٤١٢ هـ/ ١٩٩١ م، ص ٧٧.
(٣) الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة ج ١، ط ٤، بيروت، مؤسسة الرسالة، ١٤٠٢ هـ/ ١٩٨٢ م، ص ٨٥.