للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحيوانيّة ظاهر، وبالجملة فهذا العالم بأسره كقرية معمورة أو خوان معدّ والإنسان فيه كالرّئيس المخدوم والملك المطاع فأيّ تكريم يكون أزيد من هذا؟ ولا شكّ أنّ الإنسان لكونه مستجمعا للقوّة العقليّة القدسيّة، وللقوّتين الشّهويّة البهيميّة، الغضبيّة السّبعيّة «١» ، ولقوّتي الحسّ والحركة الإراديّة، وللقوى النباتيّة وهي الاغتذاء والنّموّ والتوليد يكون أشرف ممّا لم يستجمع الجميع (أي كلّ هذه القوى) * «٢» .

١٦-* (يروى عن زيد بن أسلم أنّ الملائكة قالت: ربّنا إنّك أعطيت بني آدم الدّنيا، يأكلون منها ويتمتّعون ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة، فقال:

«وعزّتي وجلالي، لا أجعل ذرّيّة من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان» ) * «٣» .

١٧-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ الآية (الإسراء/ ٧٠) أي: جعلنا لهم كرما أي شرفا وفضلا. وهذا هو كرم نفي النّقصان، لا كرم المال. وهذه الكرامة يدخل فيها خلقهم على هذه الهيئة في امتداد القامة وحسن الصّورة، وحملهم في البرّ والبحر ممّا لا يصحّ لحيوان سوى بني آدم أن يكونه، يتحمّل ذلك بإرادته وقصده وتدبيره، وتخصيصهم بما خصّهم به من المطاعم والمشارب والملابس، وهذا لا يتّسع فيه حيوان اتّساع بني آدم، لأنّهم يكسبون المال خاصّة دون الحيوان، ويلبسون الثّياب ويأكلون المركّبات من الأطعمة. وغاية كلّ حيوان يأكل لحما نيّئا أو طعاما غير مركّب) * «٤» .

١٨-* (وقال في قوله تعالى: ... وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا أي على البهائم والدّوابّ والوحش والطّير بالغلبة والاستيلاء، والثّواب والجزاء والحفظ والتّمييز وإصابة الفراسة) * «٥» .

١٩-* (وقال- رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر أقوال العلماء فيما فضّل به الإنسان: «والصّحيح الّذي يعوّل عليه أنّ التّفضيل إنّما كان بالعقل الّذي هو عمدة التّكليف، وبه يعرف الله ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله، إلّا أنّه لمّا لم ينهض بكلّ المراد بعثت الرّسل وأنزلت الكتب ... » ) * «٦» .

٢٠-* (قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... الآية: يخبر الله تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إيّاهم وخلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كقوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا


(١) السبعية نسبة إلى السّبع، وهي تلك القوة التي يحدث بها الغضب والجرأة والحمية وغير ذلك. انظر في عمل هذه القوى الثلاث، ابن مسكوية تهذيب الأخلاق ص ٣٩ وما بعدها، وقارن بالجاحظ: تهذيب الأخلاق ص ١٥ وقد أطلق على هذه القوة مصطلح النفس الغضبية.
(٢) غرائب القرآن ورغائب الفرقان (بهامش الطبري) (٥/ ٦٤) .
(٣) غرائب القرآن للنيسابوري (١٥/ ٦٤) ، وتفسير الطبري، (١٥/ ٨٥) ، والدر المنثور (٥/ ٣١٥) ، وقال السيوطي: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان مرسلا.
(٤) تفسير القرطبي (١٠/ ٢٩٣، ٢٩٤) .
(٥) المرجع السابق (١٠/ ٢٩٥) .
(٦) تفسير القرطبي (١٠/ ٢٩٤) .