للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيت على نفسي» . فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّي- ابن عمّ خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة:

يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى.

فقال هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «١» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم. لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا، ثمّ لم ينشب «٢» ورقة أن توفّي وفتر الوحي» ) * «٣» .

١٧-* (عن زيد بن وهب الجهنيّ؛ أنّه كان في الجيش الّذين كانوا مع عليّ- رضي الله عنه- الّذين ساروا إلى الخوارج. فقال عليّ- رضي الله عنه-: أيّها النّاس إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يخرج قوم من أمّتي يقرءون القرآن. ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء. ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء. ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء. يقرءون القرآن. يحسبون أنّه لهم وهو عليهم. لا تجاوز صلاتهم تراقيهم «٤» يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة» لو يعلم الجيش الّذين يصيبونهم، ما قضي لهم على لسان نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، لاتّكلوا عن العمل. وآية ذلك أنّ فيهم رجلا له عضد. وليس له ذراع. على رأس عضده مثل حلمة الثّدي. عليه شعرات بيض. فتذهبون إلى معاوية وأهل الشّام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم والله إنّي لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم. فإنّهم قد سفكوا الدّم الحرام. وأغاروا في سرح النّاس «٥» . فسيروا على اسم الله. حتّى قال: سلمة بن كهيل:

فنزّلني زيد بن وهب منزلا «٦» . حتّى قال: مررنا على قنطرة. فلمّا التقينا وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الرّاسبيّ. فقال لهم: ألقوا الرّماح وسلّوا سيوفكم من جفونها «٧» . فإنّي أخاف أن يناشدوكم «٨» كما


(١) الجذع: الصغير من البهائم، يريد: يا ليتني أكون شابّا.
(٢) لم ينشب: لم يلبث.
(٣) البخاري- الفتح ١ (٣) واللفظ له. ومسلم (١٦٠) .
(٤) لا تجاوز صلاتهم تراقيهم: المراد بالصلاة، هنا، القراءة، لأنها جزؤها.
(٥) وأغاروا في سرح الناس: السرح والسارح والسارحة الماشية. أي أغاروا على مواشيهم السائمة.
(٦) فنزلني زيد بن وهب منزلا: هكذا هو في معظم النسخ: منزلا، مرة واحدة. وفي نادر منها. منزلا منزلا، مرتين. وهو وجه الكلام أي ذكر لي مراحلهم بالجيش منزلا منزلا حتى بلغ القنطرة التي كان القتال عندها.
(٧) وسلوا سيوفكم من جفونها: أي أخرجوها من أغمادها. جمع جفن، وهو الغمد.
(٨) فإني أخاف أن يناشدوكم يقال: نشدتك الله وناشدتك الله أي سألتك بالله وأقسمت عليك.