للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإسلام يقرر من خلال نصوصه أن هذه القضية ترتبط أصلا بالابتلاء، لأنها ترتبط بالإرادة الإنسانية والاختيار، وهذا يلقي على الإنسان مسئولية ضخمة، قال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً* إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً «١» . وهو سبحانه الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «٢» .

فالابتلاء يجري على الإنسان في كل لحظة من لحظات حياته، فهو إما مبتلى بالسراء أو بالضراء، بالمعصية أو بالطاعة «٣» .

٥- إن تكليف الإنسان المشار إليه في الآية الكريمة: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (الأحزاب/ ٧٢) . هو أيضا ابتلاء، وعلى هذا الأساس كان خلق الإنسان تمهيدا وتأهيلا من حيث كانت قابلة لفعل الخير وتقبله، وكذلك لفعل الشر وتقبله وتحمّل نتائجه، ولذلك زود الإنسان بالصفات الخلقية والعقلية اللازمة للقيام بمهامه في إطار الابتلاء، وكانت القيم الخلقية طبقا للمنهج الإسلامي هي الضابط الأساسي لحركة الإنسان المكلف برسالة الاستخلاف في الأرض، وكانت الابتلاءات الخاصة من منح ومحن لإظهار جودة الإنسان أو رداءته من خلال التزامه بالمنهج الإسلامي في التعامل مع مواقف الابتلاء المختلفة «٤» .

لقد ثارت منذ القدم مسألة الجبر والاختيار، وتنوعت الآراء حولها، والذي يهمنا هنا هو توضيح الموقف الإسلامي الصحيح من خلال نصوص القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهناك عنصران أساسيان للإجابة هما:

أ- غيبية أفعالنا المستقبلة وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً (لقمان/ ٣٤) .

ب- قدرة الإنسان على أن يحسن أو يفسد كيانه الداخلي قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ ٩- ١٠) .

ويمكن أن تكتمل هذه الإجابة القرآنية من خلال تفهم أن جميع المثيرات مهما بلغت لا تستطيع أن تمارس إكراها على قراراتنا في مواجهة الابتلاءات، يقول الله تعالى على لسان الشيطان: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا


(١) الإنسان: ٢- ٣.
(٢) الملك: ٢.
(٣) انظر مظاهر الابتلاء.
(٤) انظر تعامل المسلم مع مواقف الابتلاء.