للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ (إبراهيم/ ٢٢) . هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هناك إدانة شديدة للأعمال الناشئة عن الهوى أو التقليد الأعمى «١» ، يقول الله تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف/ ١٧٦) ، إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ* فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (الصافات/ ٦٩- ٧٠) .

ويرى ابن تيمية: أن الطبيعة الإنسانية تتميز بأنها طبيعة حية، والإرادة والحركة من لوازم الحياة، ولما كانت الإرادة والعمل من لوازم ذاتها، فإذا أهداها الله، علمها ما ينفعها وما يضرها. فأرادت ما ينفعها، وتركت ما يضرها، وهذه الإرادة الحرة المتحركة، النشطة، الفاعلة، المتفاعلة هى من أخص الخصائص الإنسانية، وتبعا لهذه الحركة الإرادية يكون له دور في سلوكه، ومختلف أنماط نشاطه، وميوله، ومن ثم تكون الهداية الإلهية ضرورية، والمعرفة الدينية حيوية، حتى لا تنحرف به ميوله، وإراداته عن طريق الخير «٢» . ومعنى هذا: أن الإرادة الإنسانية لا بد أن يكون لها دورها في اختيار النمط السلوكى، الذي تتحمل مسئوليته، ومما يدعم هذه المسئولية، حريتها بالإضافة إلى الفطرة، والمعرفة الإلهية متمثلة في الكتب والرسل، ومن ثم تبرز مسئولية الإنسان عن فعل الشر «٣» .

إذن الإنسان يعيش بين جبر واختيار، ويتمثل الجانب الجبرى في حياة الإنسان في الموروثات التي تكون نفسيته وشخصيته أو تشترك في تكوينها، «من ذكاء وطباع ومزاج وغرائز وعواطف، ومواهب، وقدرات، بالإضافة إلى الشكل العام للجسد وقوته» وكذلك «المكتسبات الناتجة عن تفاعل الموروثات ببيئة الفرد مثل العادات والتقاليد، والأنماط السلوكية والمكانة لكل مجتمع ولكل عصر وما إلى ذلك» ، وهو ضرورى «لقيام التجربة الوجودية» «٤» .

ومن الجبر أيضا الرزق والعمر والولد والقوة والجاه وكل ما يمنح الله الإنسان من نعم، وكل ما يصيبه من نقم، وأما الجانب الاختيارى فله ركائزه، وهي محققة في القرآن الكريم والسنة المطهرة «٥» ، وهذا الاختيار له مساحاته، وإذا أراد الإنسان ونوى وعزم على الفعل، يأتى الفعل من الإنسان، والتوفيق من الله، وفي كل أفعال الإنسان يظل في تلك الحركة الدائبة، وهذا الجانب الاختياري من حياة الإنسان يتكون من مجموع اختياراته حيال التجارب الائتلافية التي يجتازها في حياته كلها، ومن مجموع الجانبين وامتزاجهما نتج لنا شخصية الفرد واضحة


(١) انظر دستور الأخلاق في القرآن الكريم ص ٢٠٢ (بتصرف واختصار) .
(٢) محمد عبد الله عفيفي: النظرية الخلقية عند ابن تيمية، مرجع سابق ص ٢٥٣.
(٣) المرجع السابق، ص ٢٥٣، ٢٥٤.
(٤) فاروق الدسوقي: القضاء والقدر في الإسلام، مرجع سابق، ص ١٨٠.
(٥) المرجع السابق، ص ٢١٥، ٢٣١.