للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جلية محددة الاتجاه والمصير، فالإنسان ليس في نهاية حياته سوى عمله الذي اختاره ونفذه ومات عليه» «١» .

وبالإرادة القوية الصحيحة التي تتكون لدى الإنسان عن طريق العلم الصحيح والتربية السليمة المعتمدة على أن الإنسان مفكر ذكي ذو قدرات واستعدادات تساعده على الاختيار السليم يكون الاختيار السليم، ولعل هذا بعض مما يوحى به الحديث الشريف: «اعملوا فكلّ ميسّر» «٢» .

٦- والإنسان لا يعيش وحده بل في مجتمع، أي في علاقة، وهذا النوع من العلاقة لا يمكن أن يوجد إلا في وسط مجتمع له غايته الخاصة، وتأتى معطيات الإسلام مقررة أن الإنسان ليس فردا فردية مطلقة، ولا هو ذائب في الجماعة، بل هو يشكل جزءا من كل أكبر، وهذه الجماعة منسّقة لغايات أسمى، فالإسلام لا يضخم الفرد، ولا يضخم الجماعة، إذ هو يعطى الفرد ذاتيته المسئولة بحيث يصبح في النهاية فردا في مجموع، ويعطى المجتمع كيانا ووجودا في ضمير الأفراد، فهو يغذى في الفرد النزعة الفردية بحيث يشعر بذاتيته واستقلاله ويبين للإنسان دوره في المجموع، لأن الإنسان لا يمكن أن يعيش بمعزل عن المجتمع.

والدور الاجتماعى للفرد مطلوب، وفي الوقت نفسه يقرر الإسلام ضمانات معينة ليسير المجتمع على أساسها، وليوفر الجو المستقر الذي يستطيع الفرد فيه استغلال قدراته كقوة متميزة متفردة، مسئولا عن أعماله إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً* لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً «٣» .

وفي إطار هذه المسئولية الاجتماعية التي ترتب على الإنسان واجبات عديدة نحو مجتمعه وأسرته، بل ذاته، فإن له أيضا حقوقا لابد أن ينالها مثل حقه في الحياة والتملك، كل ذلك أي تلك الحقوق وما يقابلها من الواجبات يتم من خلال التوجه إلى مرضاة الله تعالى، وبهذا فقط ينشرح صدر الإنسان وتطمئن نفسه، ويتجاوب مع أهله وأصدقائه مشاركا لهم في أفراحهم، ومعينا لهم في وقت الشدة، ويتلقى منهم ما يسر خاطره، وقد جعل الإسلام هذه المشاعر النبيلة وتلك المشاركة الوجدانية الحقة ضمن عناصر الإيمان، يقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» «٤» .

ويعنى الإسلام كذلك بتقوية الروح الاجتماعية في الإنسان، ومحاربة القبلية والعائلية والانعزالية في نفسه لأنه مهما اتصف الفرد بأكمل الصفات وأتمها، فلن يتم كماله إلا إذا ملأت الروح الاجتماعية قلبه ووجهت عمله، وأيقظت ضميره، وكانت المسيطرة عليه في كل تصرفاته «٥» .


(١) فاروق الدسوقي: القضاء والقدر في الإسلام، مرجع سابق، ص ١٨٠.
(٢) صحيح البخاري، مرجع سابق ج ٣، ص ١٥٤.
(٣) مريم: ٩٣- ٩٥.
(٤) البخاري- الفتح (١٣) ، ومسلم (٤٥) ، وانظر أيضا الأحاديث ٦٣، ٦٥، ٦٧، ٦٨، ٧١.
(٥) مصطفى السباعي، هذا هو الإسلام، ط ١، بيروت، المكتب الإسلامي، ١٩٧٩، ص ١٠، ١١.