للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممّن حلّ، ولبست ثيابا صبيغا، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إنّ أبي أمرني بهذا. قال: فكان عليّ يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله محرّشا «١» على فاطمة للّذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيما ذكرت عنه فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها. فقال:

«صدقت، صدقت. ماذا قلت حين فرضت الحجّ؟» .

قال: قلت: اللهمّ إنّي أهلّ بما أهلّ به رسولك. قال:

«فإنّ معي الهدي فلا تحلّ» . قال: فكان جماعة الهدي الّذي قدم به عليّ من اليمن والّذي أتى به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مائة. قال: فحلّ النّاس كلّهم وقصّروا، إلّا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن كان معه هدي. فلمّا كان يوم التّروية توجّهوا إلى منى، فأهلّوا بالحجّ، وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى بها الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثمّ مكث قليلا حتّى طلعت الشّمس، وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة «٢» فسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تشكّ قريش إلّا أنّه واقف عند المشعر الحرام «٣» كما كانت قريش تصنع في الجاهليّة، فأجاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى عرفة، فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتّى إذا زاغت الشّمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي «٤» فخطب النّاس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة ابن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربانا، ربا عبّاس بن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه «٥» ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده، إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون


(١) محرشا: التحريش الإغراء، والمراد هنا: أن يذكر له ما يقتضي عتابها.
(٢) بنمرة: بفتح النون وكسر الميم، هذا أصلها. وهي موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات.
(٣) ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام: معنى هذا أن قريشا كانت في الجاهلية، تقف بالمشعر الحرام، وهو جبل في المزدلفة يقال له (قزح) . وقيل: إنّ المشعر الحرام كل المزدلفة، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات، فظنت قريش أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزه. فتجاوزه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى عرفات؛ لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، أي سائر العرب غير قريش، وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة لأنها من الحرم، وكانوا يقولون: نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه. (أ. هـ. نووي) .
(٤) بطن الوادي: هو وادي عرنة، وليست عرنة من أرض عرفات إلا عند مالك فقال: إنها من عرفات. (نووي) .
(٥) ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه: قال الإمام النووي: المختار أن معناه: أن لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيّا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة.