للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالرغم من التفصيلات الكثيرة في هذا المجال والتي يمكن مراجعتها في مصادرها الأصلية، إلا أنه يمكن القول بأن هذه النظرية بكاملها وتفريعاتها وتطبيقاتها تنتمى إلى التفسير المادي لسلوك الإنسان، وتحاول أن تلخص السلوك الخلقي فيما يصدر عن الإنسان من أفعال فيما يمكن قياسه فقط، ولذلك يفقدون ما يسمى بالنور الداخلي أو الضوء الداخلي الكاشف للقيم لدى الإنسان ويرفضون أثره في تكوين الأخلاق بحجة أننا لا نستطيع أن نخضعه للبحث، ولأنه لا يستطيع أن يفسر الفروق الفردية في اكتساب الخلق.

ولا يخفى ما لهذه النظرة من آثار سلبية، حيث إنها تجعل المادة وتركيباتها واستجاباتها الأسباب الوحيدة المعتبرة لتفسير تصرفات الإنسان واستجاباته، وهي بذلك تجعل منه قطعة هامدة لا بد من تشغيلها بطاقة وبقوى خارجية «١» .

وهذه النظرية تؤمن بضرورة التدريب والتكرار والتقليد وإعطاء النموذج وغير ذلك من أساليب التدريب حتى تتحول الأخلاق إلى عادات ثابتة يمارسها الإنسان آليا بعد فترة دون تفكير، والتركيز دائما على السلوك الظاهري الذي يمكن ملاحظته، فموضوع مثل تكون مفهوم العدل أو العدالة يمكن تفسيره كردود فعل للتعزيز السابق أو محاولة لاكتساب القول، أو محاولة لتجنب العقاب الذي يصاحب السلوك غير العادل، ومن ثم فإن مفاهيم العدل أو القيم الأخلاقية يمكن تغييرها عن طريق الإثابة أو العقاب، أو التقليد أو التكرار «٢» .

أما من يرد تكوين السلوك الخلقي إلى التأثير الاجتماعي، فإنه يرى أن الجانب الخلقي في الإنسان يتكون من تعلم الطفل أن يكف أو يعبر عن أعمال معينة يتم تحديد نوعيتها من الخير أو الشر أو عن طريق ممثلي المجتمع الذين يقومون بعملية التنشئة الاجتماعية، ويتم تعزيزها أو عقابها عن طريقهم، فإذا كان السلوك مقبولا اجتماعيا، يتم تعزيزه، ويستمر أداؤه عبر الزمن، وفي مواقف مختلفة، وإذا ما كان السلوك غير مقبول اجتماعيا، فإنه سيتم العقاب عليه، بأي صورة من صور العقاب، ومن ثم فإنه يختفى، وباختصار فإن الوقت كله يدور حول الإرادة الخارجية للسلوك والرغبة الداخلية في الحصول على الثواب وتجنب العقاب «٣» .

إن أصحاب هذا الموقف مع إيمانهم بنظرية المثير والاستجابة، والتعزيز والعقاب، يرون أن أثر التنشئة الاجتماعية المتمثلة في سلطة الوالدين، وضغوط جماعات الأقران وغيرها من القوى الاجتماعية، أمر مهم في تنظيم النشاط الإنساني، وأن اكتساب الاتجاهات الأخلاقية المتمثلة في مسايرة الأهداف الاجتماعية، إنما يتم عن طريق التعلم، وهم يركزون في الأساس على العلاقات الاجتماعية التي يمكن أن تقاس عن طريق المقاييس الاجتماعية


(١) روبرت م. أجروس، جورج ن. ستانسيو، العلم فى منظوره الجديد- ترجمة كمال خلايلي، العدد (٣٤) عالم المعرفة، الكويت، د. ت، ص ٨٤.
(٢) محمد رفقي محمد فتحي: مرجع سابق، ص ١٧.
(٣) المرجع السابق: ص ١٧، ١٨.