رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر» ، ومعنى هذا أنّ العبد يجب عليه الانقياد التّامّ لقوله تعالى، وقول رسوله وتقديمهما على قول كلّ واحد، وهذا أمر معلوم من الدّين بالضّرورة.
وإذا كان من مقتضى رحمته وحكمته سبحانه وتعالى أن يكون التّحاكم بين العباد بشرعه ووحيه؛ لأنّه المنزّه عمّا يصيب البشر من الضّعف والهوى والعجز والجهل، فهو سبحانه الحكيم العليم اللّطيف الخبير، يعلم أحوال عباده وما يصلحهم، وما يصلح لهم في حاضرهم ومستقبلهم، ومن تمام رحمته أن تولّى الفصل بينهم في المنازعات والخصومات وشئون الحياة، ليتحقّق لهم العدل والخير والسّعادة بل والرّضا والاطمئنان النّفسيّ، والرّاحة القلبيّة، ذلك أنّ العبد إذا علم أنّ الحكم الصّادر في القضيّة الّتي يخاصم فيها، هو حكم الله الخالق العليم الخبير، قبل ورضي وسلّم حتّى ولو كان الحكم خلاف ما يهوى ويريد، بخلاف ما إذا علم أنّ الحكم صادر من أناس بشر مثله، لهم أهواؤهم وشهواتهم، فإنّه لا يرضى ويستمرّ في المطالبة والمخاصمة ولذلك لا ينقطع النّزاع ويدوم الخلاف، وأنّ الله سبحانه وتعالى إذ يوجب على العباد التّحاكم إلى وحيه رحمة بهم وإحسانا إليهم، فإنّه سبحانه بيّن الطّريق العامّ لذلك أتمّ بيان وأوضحه بقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (النساء/ ٥٨، ٥٩) .
والآية وإن كان فيها التّوجيه العام للحاكم والمحكوم والرّاعي والرّعيّة؛ فإنّ فيها مع ذلك توجيه القضاة والحكّام إلى الحكم بالعدل، فقد أمرهم بأن يحكموا بالعدل، وأمر المؤمنون أن يقبلوا ذلك الحكم الّذي هو مقتضى- ما شرعه الله سبحانه وأنزله على رسوله، وأن يردّوا الأمر إلى الله ورسوله في حال التّنازع والاختلاف. وممّا تقدّم يتبيّن لك أيّها المسلم أنّ تحكيم شرع الله، والتّحاكم إليه ممّا أوجبه الله ورسوله، وأنّه مقتضى العبوديّة لله والشّهادة بالرّسالة لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأنّ الإعراض عن ذلك أو شيء منه، موجب لعذاب الله وعقابه وهذا الأمر سواء بالنّسبة لما تعامل به الدّولة رعيّتها أو ما ينبغي أن تدين به جماعة المسلمين في كلّ مكان وزمان وفي حال الاختلاف والتّنازع الخاصّ والعامّ سواء كان بين دولة وأخرى أو بين جماعة وجماعة، أو بين مسلم وآخر الحكم في ذلك كلّه سواء، فالله سبحانه له الخلق والأمر وهو أحكم الحاكمين، ولا إيمان لمن اعتقد أنّ أحكام النّاس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله أو تماثلها وتشابهها، أو تركها وأحلّ محلّها الأحكام الوضعيّة والأنظمة البشريّة، وإن كان معتقدا أنّ أحكام الله خير وأكمل وأعدل فالواجب على عامّة المسلمين وأمرائهم