للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكّامهم، وأهل الحلّ والعقد فيهم، أن يتّقوا الله- عزّ وجلّ- ويحكّموا شريعته في بلدانهم ويقوا أنفسهم ومن تحت ولايتهم عذاب الله في الدّنيا والآخرة، وأن يعتبروا بما حلّ في البلدان الّتي أعرضت عن حكم الله وسارت في ركاب من قلّد الغربيّين وأتّبع طريقتهم، من الإختلاف والتّفرّق وضروب الفتن وقلّة الخيرات وكون بعضهم يقتل بعضا، ولا يزال الأمر عندهم في شدّة، ولن تصلح أحوالهم ويرفع تسلّط الأعداء عليهم سياسيّا وفكريّا إلّا إذا عادوا إلى الله سبحانه، وسلكوا سبيله المستقيم الّذي رضيه لعباده وأمرهم به ووعدهم به جنّات النّعيم وصدق سبحانه إذ يقول مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى

(طه/ ١٢٤- ١٢٦) ، ولا أعظم من الضّنك الّذي عاقب الله به من عصاه ولم يستجب لأوامره فاستبدل أحكام المخلوق الضّعيف بأحكام الله ربّ العالمين، وما أسفه رأي من لديه كلام الله تعالى لينطق بالحقّ ويفصل في الأمور ويبيّن الطّريق ويهدي الضّالّ ثمّ ينبذه ليأخذ بدلا منه أقوال رجل من النّاس أو نظام دولة من الدّول، ألم يعلم هؤلاء أنّهم خسروا الدّنيا والآخرة فلم يحصّلوا الفلاح والسّعادة في الدّنيا، ولم يسلموا من عقاب الله وعذابه يوم القيامة.

وقال الشّيخ عبد العزيز بن باز: أسأل الله أن يجعل كلمتي هذه مذكّرة للقوم ومنبّهة لهم للتّفكّر في أحوالهم والنّظر فيما فعلوه بأنفسهم وشعوبهم فيعودوا إلى رشدهم، ويلزموا كتاب الله وسنّة رسوله ليكونوا من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّا وليرفع ذكرهم بين شعوب الأرض كما ارتفع به السّلف الصّالح والقرون المفضّلة من هذه الأمّة حتّى ملكوا الأرض وسادوا الدّنيا. ودانت لهم العباد، كلّ ذلك بنصر الله الّذي ينصر المؤمنين الّذين استجابوا له ولرسوله، ألا ليتهم يعلمون أيّ كنز أضاعوا، وأيّ جرم ارتكبوا، وما جرّوه على أممهم من البلاء والمصائب قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (الزخرف/ ٤٤) ، وجاء في الحديث عنه صلّى الله عليه وسلّم ما معناه «أنّ القرآن يرفع من الصّدور والمصاحف في آخر الزّمان حين يزهد فيه أهله ويعرضون عنه تلاوة وتحكيما» فالحذر الحذر أن يصاب المسلمون بهذه المصيبة، أو تصاب بها أجيالهم المقبلة بسبب صنيعهم، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وأوجّه نصيحتي أيضا إلى أقوام من المسلمين يعيشون بينهم وقد علموا الدّين، وشرع ربّ العالمين، ومع ذلك لا زالوا يتحاكمون عند النّزاع إلى رجال يحكمون بينهم بعادات وأعراف ويفصلون بينهم بعبارات ومسجّعات مشابهين في ذلك صنيع أهل الجاهليّة الأولى وأرجو ممّن بلغته موعظتي هذه منهم أن يتوب إلى الله وأن يكفّ عن تلك الأفعال المحرّمة ويستغفر الله ويندم على مافات، وأن يتواصى مع