للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٩-* (من كلام بعض الحكماء: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيى منه، وعمارة القلب بالهيبة والحياء، فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير) * «١» .

٢٠-* (وقال ذو النّون المصريّ: الحياء وجود الهيبة في القلب مع وحشة ما سبق منك إلى ربّك، والحبّ ينطق، والحياء يسكت، والخوف يقلق) * «٢» .

٢١-* (قال السّريّ (الرّفّاء) : إنّ الحياء والأنس يطرقان القلب، فإن وجدا فيه الزّهد والورع (حلّا فيه) وإلّا رحلا) * «٣» .

٢٢-* (نقل ابن القيّم (ربّما عن كتب السابقين) الآثار الآتية في الحياء: أوحى الله عزّ وجلّ إلى عيسى عليه السّلام: «عظ نفسك، فإن اتّعظت، وإلّا فاستحي منّي أن تعظ النّاس» ) * «٤» .

٢٣-* (وفي أثر آخر: يقول الله تعالى: يابن آدم، إنّك ما استحييت منّي أنسيت النّاس عيوبك، وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك، ومحوت من أمّ الكتاب زلّاتك، وإلّا ناقشتك الحساب يوم القيامة) * ٥.

٢٤-* (وفي أثر آخر يقول الرّبّ عزّ وجلّ:

«ما أنصفني عبدي، يدعوني عبدي فأستحيي أن أردّه، ويعصيني ولا يستحيي منّي» ) * ٦.

٢٥-* (قال يحيى بن معاذ: «من استحيا من الله مطيعا، استحيا الله منه وهو مذنب» ) * «٧» .

٢٦-* (قال ابن القيّم في شرح قول يحيى بن معاذ في الأثر السّابق: «من غلب عليه خلق الحياء من الله حتّى في حال طاعته فقلبه مطرق بين يدي ربّه إطراق مستحي خجل، فإذا واقع ذنبا استحيا الله عزّ وجلّ من أن ينظر إليه في تلك الحالة لكرامته عليه..

وفي واقع الحياة ما يشهد لذلك، فإنّ الرّجل إذا اطّلع على أخصّ النّاس به، وأحبّهم إليه وأقربهم منه، من ولد أو صاحب، أو ممّن يحبّ من غيرهم وهو يخونه- فإنّه يلحقه من ذلك الاطّلاع حياء عجيب، حتّى كأنّه هو الجاني، وذلك غاية الكرم. وقد قيل إنّ سبب هذا الحياء أنّه يمثّل نفسه «٨» ، في حال طاعته كأنّه يعصي الله عزّ وجلّ فيستحيي منه في تلك الحال ولهذا شرع الاستغفار عقب الأعمال الصّالحة، والقرب الّتي يتقرّب بها إلى الله عزّ وجلّ» . وقيل: إنّما يمثّل نفسه خائنا، فيلحقه الحياء كما إذا شاهد رجلا مضروبا وهو صديق له أو من قد أحصر على المنبر عن الكلام، فإنّه يخجل أيضا تمثيلا لنفسه بتلك الحال، وهذا قد يقع، ولكنّ حياء من اطّلع على محبوبه وهو يخونه ليس من هذا، فإنّه لو اطّلع على غير من يحبّ، لم يلحقه هذا الحياء ولا قريب منه، وإنّما يلحقه مقته وسقوطه من عينه، وإنّما سبب الحياء- والله أعلم- شدّة تعلّق قلبه ونفسه به فينزّل الوهم فعل حبيبه بمنزلة فعله هو، ولا سيّما إن قدّر حصول المكاشفة بينهما، هذا في حقّ الشّاهد «٩» .


(١) مدارج السالكين (٢/ ٢٧٠) .
(٢) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(٣) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
٤- ٥- ٦ مدارج السالكين (٢/ ٢٧٠- ٢٧١) بتصرف يسير.
(٧) المرجع السابق (٢/ ٢٧١) .
(٨) يمثل نفسه أي يتخيّلها في تلك الحالة.
(٩) المراد بالشاهد أي واقع الحياة المشهود لنا.