للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيعطي ربّه ما شاء الله من عهود ومواثيق. فيقدّمه إلى باب الجنّة. فإذا قام على باب الجنّة انفهقت «١» له الجنّة فرأى ما فيها من الخير والسّرور. فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثمّ يقول: أي ربّ أدخلني الجنّة. فيقول الله- تبارك وتعالى- له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت. ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول: أي ربّ لا أكون أشقى خلقك.

فلا يزال يدعو الله حتّى يضحك الله- تبارك وتعالى- منه. فإذا ضحك الله منه، قال: ادخل الجنّة. فإذا دخلها قال الله له: تمنّه. فيسأل ربّه ويتمنّى. حتّى إنّ الله ليذكره من كذا وكذا، حتّى إذا انقطعت به الأمانيّ.

قال الله- تعالى-: ذلك لك ومثله معه» .

قال أبو هريرة: وذلك الرّجل آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة) * «٢» .

٢٧-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكّسا رأسه، فقال له: ما شأنك؟. فقال: شرّ.

كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله وهو من أهل النّار، فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قال كذا وكذا، فرجع إليه المرّة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: «اذهب إليه فقل له: إنّك لست من أهل النّار، ولكنّك من أهل الجنّة» ) * «٣» .

٢٨-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها ذكرت النّار فبكت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يبكيك؟» . قالت: ذكرت النّار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا: عند الميزان حتّى يعلم أيخفّ ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقال:

هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ «٤» حتّى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصّراط إذا وضع بين ظهري جهنّم) * «٥» .

٢٩-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «٦» منها نهسة فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد واحد «٧» .

فيسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر «٨» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون.

وما لا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض


(١) انفهقت: معناه انفتحت واتسعت.
(٢) البخاري- الفتح ١٣ (٧٤٣٧) . ومسلم (١٨٢) واللفظ له.
(٣) البخاري: الفتح ٨ (٤٨٤٦) واللفظ له. ومسلم (١١٩) .
(٤) الحاقة/ ١٩ مكية
(٥) أبو داود (٤٧٥٥) . وقال محقق جامع الأصول (١٠/ ٤٧٥) : حديث حسن، وأحمد (٦/ ١٠١) .
(٦) فنهس: أي أخذ بأطراف أسنانه.
(٧) في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية.
(٨) وينفذهم البصر: أي ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم.