للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالحجارة «١» . قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «٢» إلّا خلّفته وراء ظهري «٣» . وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم «٤» أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا.

يستخفّون «٥» . ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «٦» من الحجارة. يعرفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.

حتّى أتوا متضايقا من ثنيّة «٧» فإذا هم قد أتاهم فلان ابن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعني يتغدّون) .

وجلست على رأس قرن «٨» . قال الفزاريّ: ما هذا الّذي أرى؟ قالوا: لقينا، من هذا البرح. والله! ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا.

قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام قال قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال قلت: أنا سلمة بن الأكوع. والّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال:

فرجعوا فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الأخرم الأسديّ. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم قال: فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم احذرهم.

لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.

قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن.

قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله. وتحوّل على فرسه. ولحق أبو قتادة فارس رسول


(١) فجعلت أرديهم بالحجارة: يعني لما امتنع علي رميهم بالسهام عدلت عن ذلك إلى رميهم من أعلى الجبل بالحجارة التي تسقطهم وتهورهم. يقال: ردى الفرس راكبه إذا أسقطه وهوره.
(٢) حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من، هنا، زائدة. أتى بها لتأكيد العموم. وإنما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال: ما خلق الله بعيرا. ومن، في قوله: من ظهر، بيانية. والمعنى أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه من إبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(٣) إلا خلفته وراء ظهري: خلفته أي تركته. يريد أنه جعله في حوزته وحال بينهم وبينه.
(٤) ثم اتّبعتهم: هكذا هو في أكثر النسخ: اتبعتهم. وفي نسخة: أتبعتهم، بهمزة القطع. وهي أشبه بالكلام وأجود موقعا فيه. وذلك أن تبع المجرد واتبع بمعني مشى خلفه على الإطلاق. وأما أتبع الرباعي فمعناه لحق به بعد أن سبقه. ومنه قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه. وتعبيره هنا بثم المفيدة للتراخي يشعر أنه، بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف عن اتباعهم ولعل ذلك ريثما جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه. والمعنى على هذا الوجه: وبعد أن توقفت عن اتباعهم حتى سبقوني، تبعتهم حتى لحقت بهم.
(٥) يستخفون: أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار.
(٦) آراما من الحجارة: الآرام هي الأعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها واحده إرم كعنب وأعناب.
(٧) حتى أتوا متضايقا من ثنية: الثنية العقبة والطريق في الجبل. أي حتى أتوا طريقا في الجبل ضيقة.
(٨) على رأس قرن: هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير.