للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلت: أحببت كرامتك فأهديت لك هديّة، وليست بصدقة، فمدّ يده فأكل، وأكل أصحابه، فقلت:

هاتان اثنتان، ورجعت.

فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد، وحوله أصحابه فسلّمت، وتحوّلت أنظر إلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه، فرأيت الخاتم فقبّلته، وبكيت، فأجلسني بين يديه، فحدّثته بشأني كلّه كما حدّثتك يا ابن عبّاس، فأعجبه ذلك، وأحبّ أن يسمعه أصحابه، ففاتني معه بدر وأحد بالرّقّ، فقال لي: كاتب يا سلمان عن نفسك، فلم أزل بصاحبي حتّى كاتبته، على أن أغرس له ثلاثمائة وديّة «١» ، وعلى أربعين وقيّة «٢» من ذهب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعينوا أخاكم بالنّخل» ، فأعانوني بالخمس والعشر، حتّى اجتمع لي، فقال لي: «فقّر «٣» لها ولا تضع منها شيئا حتّى أضعه بيدي» ، ففعلت، فأعانني أصحابي حتّى فرغت، فأتيته، فكنت آتيه بالنّخلة فيضعها، ويسوّي عليها ترابا، فأنصرف، والّذي بعثه بالحقّ فما ماتت منها واحدة، وبقي الذّهب، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة، من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: «ادع سلمان المسكين الفارسيّ المكاتب» ، فقال: أدّ هذه، فقلت: يا رسول الله، وأين تقع هذه ممّا عليّ؟، وروى أبو الطّفيل، عن سلمان، قال:

أعانني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببيضة من ذهب، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه) * «٤» .

٢- شجاعة أبي محجن الثّقفيّ- رضي الله عنه- (قتاله يوم القادسيّة حتّى ظنّوا أنّه ملك) .

* (أخرج عبد الرّزّاق عن ابن سيرين قال:

كان أبو محجن الثّقفيّ- رضي الله عنه- لا يزال يجلد في الخمر، فلمّا أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه، فلمّا كان يوم القادسيّة رآهم يقتتلون، فكأنّه رأى أنّ المشركين قد أصابوا من المسلمين، فأرسل إلى أمّ ولد سعد أو إلى امرأة سعد يقول لها: إنّ أبا محجن يقول لك: إن خلّيت سبيله وحملته على هذا الفرس ودفعت إليه سلاحا، ليكوننّ أوّل من يرجع إليك إلّا أن يقتل، وأنشأ يقول:

كفى حزنا أن تلتقي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا عليّ وثاقيا


(١) الودية: النخلة الصغيرة.
(٢) وقية: هي الأوقية. وهي زنة سبعة مثاقيل وزنة أربعين درهما. وهي في غير الحديث جزء من اثنى عشر جزآ وتختلف باختلاف اصطلاح البلاد- لسان العرب: مادة «وقي» .
(٣) ومعنى فقر: احفر لها موضعا تغرس فيه، وتسمى الحفرة فقرة بضم الفاء.
(٤) أسد الغابة لابن الأثير (٢/ ٢٦٥- ٢٦٧) ، مسند أحمد (٥/ ٤٣٧- ٤٤٤) ، وطبقات ابن سعد (٤/ ٤٥) ، والتاريخ الكبير للبخاري (٤/ ١٣٥- ١٣٦) ، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي (١/ ١٦٣- ١٧١) ، ومجمع الزوائد للهيثمي (٩/ ٣٣٢- ٣٤٤) ، وأسد الغابة لابن الأثير (٢/ ٣٦٥) .