للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا قمت عنّاني الحديد وغلّقت ... مصارع دوني قد تصمّ المناديا

فذهبت الاخرى، فقالت ذلك لامرأة سعد، فحلّت عنه قيوده، وحمل على فرس كان في الدّار وأعطي سلاحا، ثمّ خرج يركض حتّى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدقّ صلبه، فنظر إليه سعد فجعل يتعجّب منه ويقول: من ذلك الفارس؟! فلم يلبثوا إلّا يسيرا حتّى هزمهم الله، ورجع أبو محجن- رضي الله عنه-، وردّ السّلاح، وجعل رجليه في القيود كما كان.

فجاء سعد- رضي الله عنه- فقالت له امرأته أو أمّ ولده: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها، ويقول:

لقينا ولقينا، حتّى بعث الله رجلا على فرس أبلق، لولا أنّي تركت أبا محجن في القيود لظننت أنّها بعض شمائل أبي محجن، فقالت: والله إنّه لأبو محجن، كان من أمره كذا وكذا، فقصّت عليه قصّته، فدعا به وحلّ قيوده. قال أبو محجن- رضي الله عنه- أنا والله لا أشربها أبدا، كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم، قال: فلم يشربها بعد ذلك) * «١» .

٣-* (عن معقل بن يسار أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- شاور الهرمزان. فقال: ما ترى أبدأ: بفارس، أو بأذربيجان، أم بأصبهان؟.

فقال: إنّ فارس وأذربيجان الجناحان، وأصبهان الرّأس، فإن قطعت أحد الجناحين قام الجناح الاخر، فإن قطعت الرّأس وقع الجناحان، فابدأ بالرّأس.

فدخل عمر- رضي الله عنه- المسجد والنّعمان بن مقرّن- رضي الله عنه- يصلّي، فقعد إلى جنبه، فلمّا قضى صلاته قال: إنّي أريد أن أستعملك. قال: أمّا جابيا «٢» ، فلا، ولكن غازيا. قال: فأنت غاز. فوجّهه إلى أصبهان- فذكر الحديث- وفيه: فقال المغيرة للنّعمان: يرحمك الله إنّه قد أسرع في النّاس «٣» ، فاحمل.

فقال: والله إنّك لذو مناقب «٤» ، لقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القتال، وكان إذا لم يقاتل أوّل النّهار أخّر القتال حتّى تزول الشّمس، وتهبّ الرّياح، وينزل النّصر، قال: ثمّ قال: إنّي هازّ لوائي ثلاث مرّات: فأمّا الهزّة «٥» الأولى فقضى الرّجل حاجته وتوضّأ، وأمّا الثّانية فنظر رجل في سلاحه، وفي شسعه «٦» فأصلحه، وأمّا الثّالثة فاحملوا ولا يلوينّ أحد على أحد وإن قتل النّعمان فلا يلو «٧» عليه أحد، فإنّي أدعو الله- عزّ وجلّ- بدعوة، فعزمت على كلّ


(١) الاستيعاب (٤/ ١٨٤) ، وسنده صحيح، كما في الإصابة (٤/ ١٧٤) .
(٢) جابيا: من جبي الخراج أي جمعه.
(٣) إنه قد أسرع في الناس: أي الرمي، ويريد به رمي الفرس للمسلمين بالنبل في المعركة.
(٤) مناقب: جمع نقيبة وهي: العقل والمشورة ونفاذ الرأي.
(٥) الهزة: التحريكة.
(٦) الشسع: زمام للنعل بين الأصبع الوسطى والتي تليها.
(٧) يلو: ينتظر: وقوله لا يلوين أحد على أحد أي لا ينتظر حملته معه، وقوله: ولا يلو عليه أحد: أي لا يتوقف عن القتال من أجله.