للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

امرىء منكم لما أمّن عليها: اللهمّ أعط اليوم النّعمان الشّهادة في نصر المسلمين، وافتح عليهم.

وهزّ لواءه أوّل مرّة، ثمّ هزّ الثّانية، ثمّ شلّ «١» درعه، ثمّ حمل فكان أوّل صريع، فقال معقل:

فأتيت عليه، فذكرت عزمته، فجعلت عليه علما، ثمّ ذهبت- وكنّا إذا قتلنا رجلا شغل عنّا أصحابه- ووقع ذو الحاجبين عن بغلته، فانشقّ بطنه، فهزمهم الله، ثمّ جئت إلى النّعمان ومعي إداوة فيها ماء، فغسلت عن وجهه التّراب، فقال: من أنت؟ قلت:

معقل بن يسار. قال: ما فعل النّاس؟ فقلت: فتح الله عليهم. قال: الحمد للهّ، اكتبوا بذلك إلى عمر، وفاضت نفسه. وعند الطّبريّ أيضا عن زياد بن جبير عن أبيه- رضي الله عنهما- فذكر الحديث بطوله في وقعة نهاوند، وفيه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا غزا فلم يقاتل أوّل النّهار لم يعجل حتّى تحضر الصّلاة، وتهبّ الأرواح، ويطيب القتال فما منعني إلّا ذلك اللهمّ إنّي أسألك أن تقرّ عيني اليوم بفتح يكون فيه عزّ الإسلام، وذلّ يذلّ به الكفّار، ثمّ اقبضني إليك بعد ذلك على الشّهادة. أمّنوا يرحمكم الله فأمّنّا وبكينا) * «٢» .

٤-* (عن جعفر بن عبد الله بن أسلم الهمدانيّ- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم اليمامة كان أوّل النّاس جرح أبو عقيل الأنيفيّ- رضي الله عنه-، رمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده، فشطب في غير مقتل، فأخرج السّهم- ووهن له شقّه الأيسر- لما كان فيه، وهذا أوّل النّهار، وجرّ إلى الرّحل «٣» - فلمّا حمي القتال وانهزم المسلمون وجازوا رحالهم- وأبو عقيل

واهن من جرحه- سمع معن بن عديّ- رضي الله عنه- يصيح بالأنصار: الله الله! «٤» والكرّة على عدوّكم، وأعنق معن «٥» يقدم القوم، وذلك حين صاحت الأنصار:

أخلصونا، أخلصونا، فأخلصوا رجلا رجلا يميّزون.

قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد يا أبا عقيل، ما فيك قتال؟!، قال: قد نوّه المنادي باسمي، قال ابن عمر: فقلت: إنّما يقول: يا للأنصار، لا يعني الجرحى!! قال أبو عقيل: أنا رجل من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبوا! قال ابن عمر: فتحزّم أبو عقيل وأخذ السّيف بيده اليمنى مجرّدا، ثمّ جعل ينادي: يا للأنصار، كرّة كيوم حنين، فاجتمعوا- رحمهم الله- جميعا يقدمون المسلمين دربة دون عدوّهم حتّى أقحموا عدوّهم الحديقة، فاختلطوا


(١) شلّ الدرع: لبسها. ينظر: لسان العرب مادة (شل) .
(٢) أخرجه الطبراني بطوله مثل ما روى الطبري. قال الهيثمي (٦/ ٢١٧) : رجاله رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله المزني، وهو ثقة، الحاكم (٣/ ٢٩٣) عن معقل بطوله. والحاكم (٣/ ٢٩٣) وأقره الذهبي.
(٣) الرحل: المنزل والخيمة.
(٤) الله الله- منصوب على التحذير- والمعنى: اتقوا الله وكروا الكرة على عدوكم.
(٥) أعنق معن: أسرع معن.