للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ «١» .

وقد وصف الصحابي الجليل علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- حال المسلمين في معسكر النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة السابع عشر من رمضان وهي ليلة معركة بدر الكبرى، فقال: «لقد رأيتنا يوم بدر، وما منا إلا نائم، إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح ... ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر ... وبات النبي صلّى الله عليه وسلّم يدعو ربه ويقول: «اللهمّ إن تهلك هذه الفئة لا تعبد» ، فلما طلع الفجر نادى للصلاة ... فصلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحرّض على القتال» «٢» .

وصل المسلمون إلى بدر واستطلعوا الموضع قبل وصول قوات قريش، وقد وردت رواية حسنة السند تذكر أن الحباب بن المنذر أشار على النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن: «نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله ونغوّر ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون» «٣» ، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد قبل مشورته وفعل بما أشار به الحباب بن المنذر «٤» .

وفي صباح السابع عشر من شهر رمضان نظّم الرسول صلّى الله عليه وسلّم جيشه على هيئة صفوف «٥» ، ثم بني للنبي صلّى الله عليه وسلّم عريش- باقتراح من سعد بن معاذ- ليدير منه المعركة. وأكثر النبي صلّى الله عليه وسلّم من الدعاء، واستغاث بالله تعالى «فما زال يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه ... فأنزل الله عزّ وجلّ: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ «٦» ، فأمده الله بالملائكة» «٧» .

وقد ثبت أنه صلّى الله عليه وسلّم خرج من مقر قيادته- العريش- وهو يقرأ قول الله عزّ وجلّ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «٨» .

ويفهم من النصوص الكثيرة والصحيحة الواردة عن أحداث المعركة يوم بدر أن النبي عليه السلام شارك شخصيّا في القتال وكان أقرب الناس إلى خطوط العدو كما كان أشد المؤمنين بأسا «٩» . وقد نقل الإمام أحمد بسنده عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- قوله: «لما حضر البأس يوم بدر، اتقينا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان من أشد الناس، ما كان أو لم يكن أحد أقرب من المشركين منه» «١٠» .


(١) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ ١١، وانظر: أحمد- الفتح الربّاني ٢١/ ٤٣.
(٢) أحمد- الفتح الرباني ٢١/ ٣٠.
(٣) ابن حجر- الإصابة ١/ ٣٠٢ بسند حسن إلى عروة ولكنه مرسل.
(٤) ابن هشام- السيرة ٢/ ٣١٢- ٣١٣ وإسناده مرسل موقوف على عروة كما في المصدر السابق، والحاكم- المستدرك ٣/ ٤٤٦- ٤٤٧، قال الذهبي عنه حديث منكر، وفي البداية والنهاية ٣/ ٢٩٣: إسناده منقطع.
(٥) أحمد- المسند، وهو أسلوب جديد لم تعتد عليه العرب قبل ذلك يقلل من خسائر الجيش ويعوض عن قلة العدد أمام العدو ويمكن القيادة من إحكام السيطرة. انظر: محمود شيت خطاب- الرسول القائد ص ٧٨- ٧٩.
(٦) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ ٩.
(٧) مسلم- الصحيح (بشرح النووي ١٢/ ٨٤- ٨٥) .
(٨) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٢٨٧) .
(٩) أحمد- المسند ٢/ ٦٤ بإسناد صحيح.
(١٠) المرجع السابق ٢/ ٢٢٨.