للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه صبيحة يوم المعركة أنه: «لا يتقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه» «١» ، فدنا المشركون فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض» «٢» .

تقابل الجيشان ودنا بعضهم من بعض، وأخذ أبو جهل يدعو على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهم أيّنا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة» فكان ذلك استفتاحه الذي أشارت إليه الآية الكريمة: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ «٣» .

وبدأ القتال بمبارزات فردية، فقد خرج عتبة بن ربيعة وولداه الوليد وشيبة طالبين المبارزة، ورفضوا مبارزة بعض شباب الأنصار الذين انتدبوا لقتالهم، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم عمه حمزة بن عبد المطلب، وعلى بن أبي طالب، وعبيدة ابن الحارث فبارزوهم وقتلوهم. وفي هؤلاء الستة نزل قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ* وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ* كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ* إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ* وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ «٤» . مما كان له آثاره على الطرفين المتحاربين. وبدأت قريش بالهجوم.

وكانت توجيهات النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم. ولا تسلّوا السّيوف حتّى يغشوكم» «٥» .

وحرضهم صلّى الله عليه وسلّم على القتال قائلا: «والّذي نفس محمّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا غير مدبر إلّا أدخله الله الجنّة» «٦» .

وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد رمى الحصا في وجوه المشركين وذلك صريح في مشاركته الشخصية في المعركة راجلا في مقدمة المسلمين. ويشير القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «٧» .

والتقى الجمعان، وكان المسلمون يقاتلونهم وهم يؤملون إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، وكان شعارهم التوحيد «أحد أحد» ، فشدوا على المشركين واستهدفوا زعماءهم، فقتلوا فرعون الأمة أبا جهل عمرو بن


(١) مسلم- الصحيح ٣/ ١٥١٠ (حديث ١٩٠١) .
(٢) المنذري- مختصر صحيح مسلم ٢/ ٧٠ (حديث ١١٥٧) .
(٣) القرآن الكريم- الأنفال، الآية/ ١٩، وانظر: الطبري- التفسير ١٣/ ٤٥٤، والحاكم- المستدرك ٢/ ٣٢٨.
(٤) القرآن الكريم- سورة الحج، الآيات/ ١٩- ٢٤، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث: ٣٩٦٦- ٣٩٦٩) .
(٥) أبو داود- السنن ٤/ ٤٩.
(٦) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٣٠٦ الحديث ٣٩٨٥) .
(٧) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ ١٧، وانظر: الهيثمي- مجمع الزوائد ٦/ ٨٤، قال: ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وانظر: ابن هشام- السيرة ١/ ٣٢٣.