للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على القتلى أو بكائهم والنياحة عليهم، في محاولة لإظهار التجلد حتى لا يشمت بهم المسلمون، كما تصرفت بعصبية ونزق، فقد تآمر صفوان بن أمية على حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بإرساله عمير بن وهب الجمحي بعد أن تحمل عنه ديونه وإعالة أهله، غير أن عالم الغيب أعلم نبيه ومصطفاه صلّى الله عليه وسلّم بالأمر مما أفشل الخطة، بل وأدى ذلك إلى إسلام عمير بن وهب وعودته إلى مكة داعية للإسلام «١» ، كما منعت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اللحاق بأبيها في المدينة، وحاول بعض فرسان قريش الاعتداء عليها فأرعبوها برماحهم وأكرهوها على العودة إلى مكة «٢» . كما أقدموا على أسر أحد المعتمرين خلافا لما كان عليه العرف في احترام الحجاج والمعتمرين وعدم الاعتداء عليهم.

وهم وإن كانوا قد نجحوا في مقايضته بعمرو بن أبي سفيان «٣» فإن ذلك قد كشف للقبائل العربية الأخرى مدى طغيانهم وعدوانهم وحقارتهم. وأخيرا فقد اشترت قريش اثنين من أسرى الرجيع وهما خبيب وابن الدّثنّة وأقدمت على قتلهما للتشفي من المسلمين «٤» .

وأورد ابن هشام رواية عن ابن إسحاق قال: «فلما انقضى أمر بدر، أنزل الله عزّ وجلّ فيه من القرآن سورة الأنفال بأسرها» .

ومن العدد الكبير من القصائد التي قيلت في بدر والتي عبّرت عن وجهات نظر الطرفين، نذكر قول حسّان ابن ثابت- رضي الله عنه-:

لقد علمت قريش يوم بدر ... غداة الأسر والقتل الشديد

بأنّا حين تشتجر العوالي ... حماة الحرب يوم أبي الوليد

قتلنا ابني ربيعة يوم سارا ... إلينا في مضاعفة الحديد

وفرّ بها حكيم يوم جالت ... بنو النجار تخطر كالأسود

وولت عند ذاك جموع فهر ... وأسلمها الحويرث من بعيد

لقد لاقيتم ذلّا وقتلا ... جهيزا نافذا تحت الوريد


(١) ابن حجر- الإصابة ٣/ ٢٦.
(٢) ابن هشام- السيرة ٢/ ٦٥٤- ٦٥٥.
(٣) المرجع السابق ٢/ ٣٥٧- ٣٥٨.
(٤) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٣٠٨) .