للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارىء» . قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ.

قال: قلت: «ما أنا بقارىء» . قال: فأخذنى فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ.

فقلت: «ما أنا بقارىء» . فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ ١- ٥) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره «١» حتّى دخل على خديجة. فقال:

«زمّلوني، زمّلوني» . فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع «٢» .

ثمّ قال لخديجة: «أي خديجة! مالي؟!» ، وأخبرها الخبر. قال «لقد خشيت على نفسي» . قالت له خديجة: كلّا. أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا. والله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ «٣» ، وتكسب المعدوم «٤» ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ! اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «٥» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم، ياليتني فيها جذعا «٦» ، يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» . قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا) * «٧» .

٧٣-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: «لأعطينّ هذه الرّاية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله» . قال: فبات النّاس يدوكون «٨» ليلتهم:

أيّهم يعطاها؟ فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال: «أين عليّ بن أبي طالب؟» . فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال:

«فأرسلوا إليه» فأتي به فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه، ودعا له فبرأ، حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الرّاية.

فقال عليّ: يا رسول الله! أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا.

فقال: «انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ


(١) ترجف بوادره: تضطرب في جسده الشريف اللحمتان فوق الثديين أو الثديان وهذا كناية عن شدة اضطرابه صلّى الله عليه وسلّم.
(٢) الروع: الفزع.
(٣) الكل- بفتح الكاف- هو الثّقل من كل ما يتكلّف.
(٤) تكسب المعدوم: أي تعين الفقير على كسبه، وقيل: المراد أنك تعطي الناس الشيء المعدوم عندهم وتوصله إليهم.
(٥) هذا الناموس: هو جبريل صلّى الله عليه وسلّم. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخبر. يقال نمست السر أنمسه أي كتمته.
(٦) ياليتني فيها جذعا: الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها، وجذعا: يعني قويا، حتى أبالغ في نصرك.
(٧) البخاري- الفتح ١ (٣) . ومسلم (١٦٠) واللفظ له.
(٨) يدوكون ليلتهم: أي باتوا في اختلاف واختلاط (العيني) .