للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من يدر دارى ومن لم يدر سوف يرى ... عمّا قليل نديما للنّدامات «١»

١١-* (قال القاضي التّنوخيّ:

الق العدوّ بوجه لا قطوب به ... يكاد يقطر من ماء البشاشات

فأحزم النّاس من يلقى أعاديه ... في جسم حقد وثوب من مودّات

الرّفق يمن وخير القول أصدقه ... وكثرة المزح مفتاح العداوات «٢»

١٢-* (قال صالح بن عبد القدّوس:

أرضى عن المرء ما أصفى مودّته ... وليس شيء من البغضاء يرضينى

والله لو كرهت كفّى مصاحبتي ... لقلت إذ كرهت يوما لها بيني

ثمّ انثنيت على الأخرى فقلت لها ... إن تسعديني وإلّا مثلها كوني

إنّي كذاك إذا أمر تعرّض لي ... خشيت منه على دنياي أو ديني خرجت منه

وعرضي ما أدنّسه ... ولم أقم غرضا للنّذل يرميني

وملطف بي مدار ذي مكاشرة ... مغض على وغر في الصّدر مكنون

ليس الصّديق الّذي تخشى بوادره ... ولا العدوّ على حال بمأمون

يلومني النّاس فيما لو أخبّرهم ... بالعذر فيه يوما لم يلوموني «٣»

١٣-* (قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-:

المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي من أقوى أسباب الألفة بينهم. فإن قال بعضهم إنّ المداراة هي المداهنة، وهذا غلط، لأنّ المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرّمة، والفرق بينهما أنّ المداهنة من الدّهان، وهو الّذي يظهر الشّيء، ويستر باطنه وقد فسّرها العلماء بأنّها معاشرة الفاسق وإظهار الرّضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة: هي الرّفق بالجاهل في التّعليم وبالفاسق في النّهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيّما إذا احتيج إلى تألّفه) * «٤» .

١٤-* (وقال الماورديّ- رحمه الله تعالى- أيضا: إنّ الإنسان إن كان مأمورا بتألّف الأعداء، ومندوبا إلى مقاربتهم، فإنّه لا ينبغي له أن يكون لهم راكنا وبهم واثقا، بل يكون منهم على حذر، ومن مكرهم على تحرّز، فإنّ العداوة إذا استحكمت في الطّباع صارت طبعا لا يستحيل، وجبلّة لا تزول، وإنّما يستكفي بالتّألّف إظهارها «٥» ، ويستدفع به


(١) الآداب الشرعية (١/ ٥٤) .
(٢) أدب الدنيا والدين (٢٢٣) .
(٣) الآداب الشرعية (٣/ ٥٦١) .
(٤) فتح الباري (١٠/ ٥٤٥) .
(٥) يستكفي: أي يستكفئ من قولهم كفأ القدر غطاه.