للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عمّ قل: لا إله إلّا الله. كلمة أشهد لك بها عند الله» . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتّى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: هو على ملّة عبد المطّلب. وأبى أن يقول: لا إله إلّا الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله عزّ وجلّ: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (التوبة/ ١١٣) . وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص/ ٥٦) * «١» .

٣٢-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم بدر، قال: نظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال: «اللهمّ! أين ما وعدتني؟، اللهمّ! أنجز ما وعدتني، اللهمّ! إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا» ، قال: فما زال يستغيث ربّه- عزّ وجلّ- ويدعوه حتّى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر- رضي الله عنه- فأخذ رداءه فردّه، ثمّ التزمه من ورائه ثمّ قال: يا نبيّ الله، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، وأنزل الله عزّ وجلّ-: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال/ ٩) فلمّا كان يومئذ والتقوا، فهزم الله- عزّ وجلّ- المشركين، فقتل منهم سبعون رجلا، وأسر منهم سبعون رجلا، فاستشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر وعليّا وعمر- رضي الله عنهم-، فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: يا نبيّ الله! هؤلاء بنو العمّ والعشيرة والإخوان، فإنّي أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوّة لنا على الكفّار، وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ترى يا بن الخطّاب؟» . قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر- رضي الله عنه- ولكنّي أرى أن تمكّنني من فلان، قريبا لعمر، فأضرب عنقه، وتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه وتمكّن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتّى يعلم الله أنّه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمّتهم، وقادتهم، فهوي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال أبو بكر- رضي الله عنه-، ولم يهو ما قلت، فأخذ منهم الفداء، فلمّا أن كان من الغد، قال عمر- رضي الله عنه-: غدوت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو قاعد وأبو بكر- رضي الله عنه-، وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الّذي عرض عليّ أصحابك من الفداء،


(١) البخاري- الفتح ٣ (١٣٦٠) ومسلم (٢٤) واللفظ له.