للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالبيت، وقد أخرت قريش عودته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحسب المسلمون أنها قتلته «١» ، وبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن عثمان قد قتل «٢» فدعا أصحابه إلى البيعة تحت شجرة سمرة، فبايعوه جميعا على الموت «٣» سوى الجد بن قيس وكان من المنافقين «٤» ، وكان أول من بايع من الصحابة أبو سنان عبد الله بن وهب الأسدي «٥» وتابعه الصحابة يبايعون النبي صلّى الله عليه وسلّم على بيعته فأثنى عليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: «أنتم خير أهل الأرض» «٦» وقال صلّى الله عليه وسلّم أيضا: «لا يدخل النّار إن شاء الله من أصحاب الشّجرة أحد الّذين بايعوا تحتها» «٧» .

ولما كان عثمان بن عفان قد حبس في مكة، فقد أشار النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يده اليمنى وقال: «هذه يد عثمان» ، فضرب بها على يده، وقال: «هذه لعثمان» «٨» وبذلك فقد عدّ عثمان بن عفان- رضي الله عنه- في المبايعين تحت الشجرة. وقبل أن تتطور الأمور وتتأزم، عاد عثمان إلى معسكر المسلمين بعد بيعة الرضوان هذه مباشرة. وقد عرفت البيعة بذلك لأن الله تعالى أخبر أنه رضي عن المبايعين فيها فقال جل جلاله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً* وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً «٩» .

أرسلت قريش عددا من المبعوثين للتفاوض مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد سفارة بديل بن ورقاء، فقد أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي، وقبل أن يباشر عروة ما عهدت به إليه قريش، ورغبة منه في منع تكرار ما حصل مع بديل قبله من تعنيف وسوء المقالة، وضح لهم موقفه منهم وأقروا له بأنه غير متهم لديهم، ثم أوضح لهم أن ما عرضه عليهم محمد صلّى الله عليه وسلّم هو أمر رشد دعاهم إلى قبوله، فوافقوا على رأيه، وعندما وصل عروة إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، قال له مثل ما قال لبديل فأجابه عروة: «أي محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله


(١) أحمد- المسند ٤/ ٣٢٤ باسناد حسن وقد تقدم.
(٢) أحمد- المسند ٤/ ٣٢٤.
(٣) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث ٤١٦٩) ، مسلم- الصحيح- كتاب الإمارة (ص/ ٨١) ، وفي رواية صحيحة أخرى كانت البيعة على الصبر وعدم الفرار، البخاري- الصحيح (حديث ٤١٦٩) ، مسلم- الصحيح (٣/ ١٤٨٣، حديث ١٨٥٦) ، ولا تعارض في ذلك لأن المبايعة على الموت تعني الصبر وعدم التولي، انظر ابن حجر- فتح الباري (شرح الحديث ٤١٦٩ ج ٦/ ١١٨) .
(٤) مسلم- الصحيح ٣/ ١٤٨٣ (حديث ١٨٥٦) وانظر كتاب الإمارة (ص/ ٦٩) من حديث الصحابي جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- وهو من الذين بايعوا تحت الشجرة.
(٥) ابن حجر- الإصابة ط/ ٩٥- ٩٦ من حديث الشعبي، وقال: وأخرجه ابن منده من طريق عاصم عن ذر بن حبيش، وصححهما.
(٦) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث ٤١٥٤) .
(٧) مسلم- الصحيح- كتاب فضائل الصحابة ٤/ ١٩٤٢ حديث ٢٤٩٦) .
(٨) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث ٣٦٩٨) .
(٩) القرآن الكريم- سورة الفتح، الآيات ١٨- ١٩، وانظر الطبري- التفسير ٢٦/ ٨٦.