للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبلك؟ «١» .. ولاحظ عروة مبلغ تعظيم المسلمين للرسول صلّى الله عليه وسلّم وحبهم له وتفانيهم في طاعته، فلما رجع إلى مكة، قال لقريش: «أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكا قط، يعظمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمدا» «٢» .

وبعثت قريش بعد ذلك سيد الأحابيش، الحليس بن علقمة الكناني، فلما اقترب من معسكر المسلمين ورآه النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إنّ هذا من قوم يتألّهون فابعثوا الهدي في وجهه حتّى يراه» «٣» ، كما أمر المسلمين أن يلبّوا، فلما رأى الحليس الهدي في قلائده، وسمع تلبية المسلمين عاد أدراجه قبل أن يصل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك إعظاما لما رأى، وقال لقريش: «رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت» «٤» ، فكان جوابهم عليه أن طلبوا منه السكوت واتهموه بالجهل «٥» ، وقد أنكر الحليس عليهم موقفهم وقال: «يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، أيصدّ عن بيت الله من جاءه معظما له؟! والذي نفس الحليس بيده لتخلنّ بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد» ، فقالوا له: «كف عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به» «٦» .

أرسل زعماء قريش مكرز بن حفص الذي وصفه النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه «رجل فاجر» ، ثم أعقبوه بسهيل بن عمرو، فتفاءل النبي صلّى الله عليه وسلّم بقدومه قائلا لأصحابه: «لقد سهّل لكم أمركم» «٧» ، وقال صلّى الله عليه وسلّم «قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل» «٨» ، وكانت قريش قد ألزمت سهيل بن عمرو أن «لا يكون في صلحه (محمدا) إلّا أن يرجع عنا عامه هذا، فو الله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا» ، فلما انتهى إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم تكلم فأطال الكلام، وتراجعا، ثم جرى بينهما الصلح «٩» .

بدأ الرسول صلّى الله عليه وسلّم يملي شروط الصلح، وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه- هو كاتب الصحيفة «١٠» ، وأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم إعطاء عقد الصلح صبغة إسلامية فبدأه بالبسملة، فاعترض سهيل قائلا: «ما (الرحمن) فو الله ما أدري ما هو ولكن اكتب (باسمك اللهم) كما كنت تكتب» ، ورفض المسلمون ذلك، ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم وافق على اعتراض سهيل، ثم اعترض سهيل على عبارة «محمد رسول الله» التي وردت في صدر الصحيفة قائلا: «والله لو كنا


(١) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الاحاديث ٢٧٣١- ٢٧٣٢) ، أحمد- المسند ٤/ ٣٢٤ باسناد حسن.
(٢) مصادر الهامش السابق.
(٣) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ٢٧٣١) .
(٤) المرجع السابق (الحديث ٢٧٣٢) .
(٥) ورد في الرواية الصحيحة قولهم له: «اجلس، إنما أنت أعرابي لا علم لك» ، مع أنهم كانوا قد أوفدوه ليفاوض نيابة عنهم.
(٦) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث ٢٧٣١، ٢٧٣٢) .
(٧) المرجع السابق (الأحاديث ٢٧٣١- ٢٧٣٢) .
(٨) المرجع السابق نفسه، وانظر ابن هشام- السيرة ٣/ ٤٣٩ من حديث برواية ابن إسحاق وبإسناد حسن.
(٩) البخاري- الصحيح (الأحاديث ٢٧٣١- ٢) ، ابن هشام- السيرة ٣/ ٤٣٩.
(١٠) صرح بهذه التسمية الشيخان (البخاري- الصحيح حديث ٢٦٩٨- ٢٦٩٩، مسلم- الصحيح ٣/ ١٤١٠ حديث ١٧٨٣) .