للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب «محمد بن عبد الله» فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «والله إنّي لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب: محمّد بن عبد الله» ، وحين أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يثبت في صحيفة الصلح عبارة «على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به» إعترض سهيل قائلا: «والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة (قهرا) ، ولكن ذلك في العام المقبل، فنخرج عنها فتدخلها في أصحابك، فأقمت فيها ثلاثا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب» ، فوافق النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك «١» ، ثم قال سهيل: «وعلى أن لا يأتيك منا رجل- وإن كان على دينك- إلّا رددته إلينا» فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن تردّه إليّ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نقض الكتاب بعد» ، فقال سهيل: «والله إذا لن أصالحك على شيء أبدا» ، وقد حاول النبي صلّى الله عليه وسلّم استثناء أبا جندل من الشرط غير أن سهيلا أصر على موقفه رغم موافقة مكرز بن حفص على طلب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلم يجد النبي صلّى الله عليه وسلّم إزاء إصرار سهيل بدّا من إعادته إليه «٢» .

وقد تم الاتفاق في الصلح بعد ذلك «على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض. وعلى أنه من أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أصحابه بغير إذن وليه رده عليهم، ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يردّوه عليه. وأن بيننا عيبة مكفوفة (صدور نقية) وأنه لا إسلال ولا إغلال (ولا سرقة ولا خيانة) . وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.. «٣» ،

وأنك ترجع عنا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة. وإنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك، وأقمت فيهم ثلاثة معك سلاح الراكب، لا تدخلها بغير السيوف في القرب» (أغمادها) . «٤»

ولقد تذمر كثير من الصحابة من أغلب شروط هذا الصلح، وخصوصا من التعديلات التي أحدثها سهيل ابن عمرو فيها وأصر عليها، فقد امتنع علي بن أبي طالب عن محو عبارة «رسول الله» التي كانت قد وردت في ديباجة العقد في بادىء الأمر «٥» ، وغضب المسلمون لشرط رد المسلمين لإخوانهم الذين يفرون من مكة إلى


(١) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الحديثان ٢٧٣١- ٢٧٣٢) .
(٢) المرجع السابق نفسه، مسلم- الصحيح ٣/ ١٤١٠ حديث ١٧٨٣، عبد الرزاق الصنعاني- المصنف ٥/ ٣٤٣.
(٣) ورد في ثنايا الرواية عن الصلح بعد هذا الموضع من المتن قوله: «فتواثبت خزاعة فقالوا نحن مع عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعهده، وتواثبت بكر فقالوا نحن مع عقد قريش وعهدهم» . ولا شك أن هذا قد حصل في وقت لاحق، بناء على ما ورد في العقد وهو ليس جزءا منه، انظر أحمد- المسند ٤/ ٣٢٥.
(٤) أحمد- المسند ٤/ ٣٢٥، ابن هشام- السيرة ٣/ ٣٠٨ بإسناد حسن.
(٥) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث ٢٦٩٩، ٤٢٥١، ٢٦٩٨، وقد حصل التباس في تحديد الشخص الذي تولّى الكتابة عند امتناع علي- رضي الله عنه- عن ذلك، أورد الامام مسلم في صحيحه أنه صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي رضي الله عنه: «أرني مكانها» فأراه مكانها فمحاها-