للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعسكر الإسلامي بغير إذن أوليائهم، وسألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا رسول الله تكتب هذا؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «نعم.. إنّه من ذهب إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا» «١» .

ولقد ظهر الغضب الشديد على عمر بن الخطاب بسبب ما تضمنته شروط الصلح التي تصور أنها مهينة وأنها لا تعكس موقفا صلبا في الدفاع عن الحق، ولنستمع من عمر- رضي الله عنه- إلى ردة فعله حينذاك، قال: «فأتيت نبي الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ألست نبي الله حقّا؟، قال: «بلى» . قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: «بلى» ، قلت:

فلم نعط الدنية في ديننا إذا؟ قال: «إنّى رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري» ، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى. أفأخبرتك أنّك تأتيه العام؟»

قلت: لا، قال: «فإنّك آتيه ومطوّف به» «٢» .

ولما أعاد عمر- رضي الله عنه- الكلام مع أبي بكر- رضي الله عنه- بمثل ما كلم النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال له أبو بكر: «يا عمر: إنه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولن يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فو الله إنه على الحق» «٣» .

ولم يكن المسلمون يشكّون في أنهم سيدخلون مكة ويطوفون بالبيت العتيق كما سبق وأعلمهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما جرى صلح الحديبية على الشروط التي تضمنها، فإنهم تألموا وساورت بعضهم الشكوك «حتى كادوا أن يهلكوا» وخصوصا حين أعيد أخوهم أبو جندل وهو يستنجد بهم قائلا: يا معشر المسلمين: أتردونني إلى أهل الشرك فيفتنوني عن ديني» والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا أبا جندل اصبر واحتسب فإنّ الله- عزّ وجلّ- جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا» «٤» .

وكان عمر يمشي بجانب أبي جندل يغريه بأبيه ويقرب إليه سيفه ولكن أبا جندل لم يفعل، فأعيد إلى المشركين «٥» .

ولم تكف قريش عن التحرش بالمسلمين خلال مرحلة المفاوضات وكتابة وثيقة الصلح بل حتى بعد إنجاز


- رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكتب مكانها «ابن عبد الله» ، ولا يستدل من ذلك على معرفته صلّى الله عليه وسلّم القراءة والكتابة فإن معرفة رسم هاتين الكلمتين ومحوه لهما أو معرفته رسم اسمه صلّى الله عليه وسلّم مما يتكرر كتابته أمامه كثيرا من قبل كتابه، لا يخرجه عن كونه أميّا كما وصفه القرآن الكريم، وذهب الجمهور إلى أن المقصود من قوله «كتب» بمعنى أمر بالكتابة انظر ابن حجر- فتح الباري ٧/ ٥٠٤ (حديث ٤٢٥١) .
(١) مسلم- الصحيح- كتاب الجهاد ص/ ٩٣، (٣/ ١٤١١- حديث ١٠٨٤) .
(٢) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث ٢٧٣١- ٢٧٣٢، ٣١٨٢) ، مسلم- الصحيح ٣/ ١٤١٢، حديث ١٧٨٥، أحمد- المسند ٤/ ٣٢٥ باسناد حسن.
(٣) البخاري- الصحيح الأحاديث ٢٧٣١، ٢٧٣٢، ٣١٨٢، وفي مسند أحمد ٤/ ٣٢٥ بإسناد حسن حيث صرح ابن إسحاق بالتحديث (ابن هشام- السيرة ٣/ ٣٠٨) وفيه أن عمر- رضي الله عنه- تكلم أولا مع أبي بكر- رضي الله عنه- ثم أعاد الكلام مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفيه قوله: يا عمر الزم غرزه (أي تمسك بأمره) حيث كان فإني أشهد أنه رسول الله قال عمر: وأنا أشهد» ... كما نقل قول عمر- رضي الله عنه-: «ما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا، ويرى ابن حجر أن «جميع ما صدر منه كان معذورا فيه بل هو مأجور لأنه مجتهد» فتح الباري ٥/ ٣٤٦- ٧.
(٤) أحمد- المسند ٤/ ٣٢٥.
(٥) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.