للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك؛ وربما كان ذلك من أساليب الضغط على المسلمين خلال مرحلة المفاوضات، وقد تكون التحرشات المتأخرة بسبب طيش شبابها وتهورهم، غير أن الملاحظ هو أن المسلمين قد احتملوا تلك التحرشات بصبر وجلد، وانضباط دقيق، مع يقظة تامة واستعداد، وعند ما حاولت مجموعة كبيرة من رجال قريش قاربت ثمانين رجلّا الاستيلاء على معسكر المسلمين بشكل مباغت، سارع المسلمون بتطويقهم وأسرهم، ثم عفا الرسول صلّى الله عليه وسلّم عنهم فأطلق سراحهم «١» ، ثم أسر المسلمون بعد ذلك ثلاثين شابّا من قريش اعتدوا على معسكرهم، وأطلق النبي صلّى الله عليه وسلّم سراحهم «٢» .

كما عفا صلّى الله عليه وسلّم عن سبعين آخرين أسروا بعد إبرام الصلح، وعن أربعة آخرين كانوا يقعون بالرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد عقد الصلح واختلاط المسلمين بالمشركين «٣» ، وفي ذلك نزل قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ «٤» .

وحينما تم الصلح وأبرم العقد، أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم من معه من المسلمين أن ينحروا الهدي ويحلقوا رءوسهم، وكرر ذلك ثلاث مرات فلم يقم أحد منهم بالاستجابة لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك ما يعكس الحالة النفسية الانفعالية التي قاسى منها المسلمون حينذاك بسبب استفزازات قريش المتكررة إضافة إلى تصورهم الخاطيء في أن شروط الصلح قد تضمنت إجحافا بهم، وكأنهم كانوا يأملون الرجوع عن الصلح.

قام النبي صلّى الله عليه وسلّم بمشورة من أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنها- بذبح الهدي وحلق رأسه، فتابعه المسلمون عند ذلك، «فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا» «٥» فدعا لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم «٦» وبذلك تحلل النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن معه من المسلمين من عمرتهم، وشرع التحلل للمحصر وأنه لا يلزمه القضاء «٧» .

وبعد أن أقام المسلمون في الحديبية عشرين يوما «٨» عاد بهم النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وكانت غيبتهم هذه عنها قد امتدت شهرا ونصف الشهر «٩» .

وفي طريق عودة المسلمين من الحديبية تكررت معجزة النبي صلّى الله عليه وسلّم في تكثير الطعام والماء «١٠» ، وأنزلت سورة


(١) مسلم- الصحيح، كتاب الجهاد ص/ ٣٣.
(٢) أحمد- المسند ٤/ ٨٦ بسند صحيح.
(٣) مسلم- الصحيح- كتاب الجهاد (ص/ ١٣٢) حديث ١٨٠٧.
(٤) القرآن الكريم- سورة الفتح، الآية/ ٢٤.
(٥) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الاحاديث ٢٧٣١، ٢٧٣٢) ، أحمد- المسند ٤/ ٣٢٦.
(٦) أحمد- المسند ٢/ ٣٤ باسناد صحيح.
(٧) البخاري- الصحيح (حديث ٢٧٠١) ، مسلم- الصحيح، كتاب الجهاد والسير ص/ ٩٧، أبو داود- السنن- كتاب المناسك (م ١٧٤٩) ، الحاكم- المستدرك ١/ ٤٦٧.
(٨) وقيل سبعة عشر يوما، انظر الواقدي- مغازي ٢/ ٦١٦، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٩٨.
(٩) ابن سيد الناس- عيون الأثر ٢/ ١٢٣.
(١٠) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث ٤١٥٢) ، مسلم- الصحيح ٣/ ١٣٥٤ (حديث ١٧٨٥) ، أحمد- المسند ٣/ ٤١٧- ٤١٨، البيهقي- دلائل النبوة ٢/ ٢٢٢- ٣.