للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العوذ المطافيل «١» ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نجىء لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «٢» . وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده، لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي «٣» ، ولينفذنّ الله أمره» فقال بديل: سأبلّغهم ما تقول. قال:

فانطلق حتّى أتى قريشا، قال: إنّا جئناكم من هذا الرّجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال: سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء. وقال ذوو الرّأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال سمعته يقول كذا وكذا. فحدّثهم بما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى.

قال: فهل تتّهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عكاظ، فلمّا بلّحوا «٤» عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإنّ هذا قد عرض عليكم خطّة رشد، اقبلوها ودعوني آته. قالوا ائته. فأتاه، فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نحوا من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمّد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله «٥» قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإنّي والله لا أرى وجوها، وإنّي لأرى أشوابا «٦» من النّاس خليقا «٧» أن يفرّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر:

امصص بظر اللّات «٨» ، أنحن نفرّ عنه وندعه؟ فقال:

من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والّذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك.

قال: وجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكلّما تكلّم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه السّيف وعليه المغفر «٩» ، فكلّما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب يده بنعل السّيف وقال له: أخّر يدك عن لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة

بن شعبة. فقال: أي غدر «١٠» ، ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهليّة فقتلهم وأخذ أموالهم ثمّ جاء


(١) العوذ المطافيل: الناقة التي وضعت إلى أن يقوى ولدها.
(٢) جموا: أي قووا.
(٣) حتى تنفرد سالفتي: أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري، والسالفة: صفحة العنق.
(٤) بلّحوا: أي امتنعوا من الإجابة.
(٥) اجتاح أهله: أي أهلك أصلهم.
(٦) أشوابا: أي أخلاطا من أنواع شتى.
(٧) خليقا: أي حقيقا وجديرا.
(٨) امصص بظر اللات: البظر قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة، واللات اسم أحد الأصنام التي كانوا يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ «الأم» بدلا من «اللات» فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه.
(٩) المغفر: حلق يتقنع به المتسلح وربما كان مثل القلنسوة غير أنها أوسع.
(١٠) أي غدر: مبالغة في وصفه بالغدر.