للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال له النّعمان: ما حملك على الوفاء وفيه إتلاف نفسك، فقال: ديني، فمن لا وفاء فيه لا دين له، فأحسن إليه النّعمان ووصله بما أغناه وأعاده مكرّما إلى أهله وأناله ما تمنّاه) * «١» .

١٤-* (ومن ذلك ما حكي أنّ الخليفة المأمون، لمّا ولّى عبد الله بن طاهر بن الحسين مصر والشّام، وأطلق حكمه دخل على المأمون بعض إخوانه يوما فقال: يا أمير المؤمنين إنّ عبد الله بن طاهر يميل إلى ولد أبي طالب، وهواه مع العلويّين، وكذلك كان أبوه قبله، فحصل عند المأمون شيء من كلام أخيه من جهة عبد الله بن طاهر، فتشوّش فكره وضاق صدره. فاستحضر شخصا وجعله في زيّ الزّهّاد، والنّسّاك الغزاة ودسّه إلى عبد الله بن طاهر وقال له:

امض إلى مصر، وخالط أهلها، وداخل كبراءها واستملهم إلى القاسم بن محمّد العلويّ، واذكر مناقبه، ثمّ بعد ذلك اجتمع ببعض بطانة عبد الله بن طاهر، ثمّ اجتمع بعبد الله بن طاهر بعد ذلك وادعه إلى القاسم بن محمّد العلويّ، واكشف باطنه، وابحث عن دفين نيّته وائتني بما تسمع. ففعل ذلك الرّجل ما أمره به المأمون، وتوجّه إلى مصر، ودعا جماعة من أهلها، ثمّ كتب ورقة لطيفة ودفعها إلى عبد الله بن طاهر وقت ركوبه، فلمّا نزل من الرّكوب وجلس في مجلسه، خرج الحاجب إليه وأدخله على عبد الله بن طاهر، وهو جالس وحده، فقال له: لقد فهمت ما قصدته، فهات ما عندك فقال: ولي الأمان؟ قال: نعم فأظهر له ما أراده ودعاه إلى القاسم بن محمّد. فقال له عبد الله، أو تنصفني فيما أقوله لك؟. قال نعم قال: فهل يجب شكر النّاس بعضهم لبعض عند الإحسان والمنّة؟ قال: نعم، قال: فيجب عليّ وأنا في هذه الحالة الّتي تراها من الحكم والنّعمة، والولاية، ولي خاتم في المشرق، وخاتم في المغرب، وأمري فيما بينهما مطاع، وقولي مقبول. ثمّ إنّي ألتفت يمينا وشمالا فأرى نعمة هذا الرّجل غامرة، وإحسانه فائضا عليّ، أفتدعوني إلى الكفر بهذه النّعمة، وتقول اغدر وجانب الوفاء، والله لو دعوتني إلى الجنّة عيانا لما غدرت ولما نكثت بيعته، وتركت الوفاء له. فسكت الرّجل فقال له عبد الله:

والله، ما أخاف إلّا على نفسك. فارحل من هذا البلد، فلمّا يئس الرّجل منه وكشف باطنه وسمع كلامه رجع إلى المأمون فأخبره بصورة الحال فسرّه ذلك، وزاد في إحسانه إليه، وضاعف إنعامه عليه» ) * «٢» .

١٥-* (وممّا أسفرت عنه وجوه الأوراق، وأخبرت به الثّقات في الآفاق، وظهرت روايته بالشّام والعراق، وضرب به الأمثال في الوفاء بالاتّفاق، حديث السّموأل بن عاديا، وتلخيص معناه أنّ امرأ القيس الكنديّ، لما أراد المضيّ إلى قيصر ملك الرّوم، أودع عند السّموأل دروعا وسلاحا، وأمتعة تساوي من المال جملة كثيرة. فلمّا مات امرؤ القيس أرسل ملك كندة يطلب الدّروع والأسلحة المودعة عند السّموأل. فقال


(١) المستطرف (١/ ٢٨٧- ٢٨٨) .
(٢) المرجع السابق (١/ ٢٨٨) .