للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كانت غزوة خيبر في المحرم من السنة السابعة للهجرة على أرجح الأقوال «١» رغم الخلاف بين مؤلفي كتب السيرة والمغازي حول ذلك «٢» .

وقاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم جيش المسلمين وكان عدده ألفا وأربعمائة مقاتل فيهم مائتا فارس، ولم يغب عن المشاركة في غزوة خيبر أحد من أصحاب بيعة الرضوان في الحديبية سوى جابر بن عبد الله «٣» وكانت الروح المعنوية للمسلمين عالية، وكانوا يلهجون بالتهليل والتكبير لله تعالى بأصوات مرتفعة، مما يشعر بمدى إيمانهم وتوكلهم على الله، وثقتهم بالنصر منه سبحانه، وقد طلب منهم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يرفقوا بأنفسهم فقال:

«إنّكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم» »

، وقد سلك المسلمون طريق ثنية الوداع فزغابة، ونقمي، فالمستناخ، فعصر، فالصهباء، فالخرصة، وحين وصلوا منطقة خيبر سلكوا بين الشق والنطاة، ثم المنزلة، ثم الرجيع التي تقع شمال شرق خيبر حيث عسكروا فيها «٥» ، ويبدو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قصد من ذلك أن يعزل خيبر عن المنطقة الشمالية، كما يعزلها عن حلفائها من غطفان.

نزل المسلمون بساحة يهود خيبر قبل بزوغ الفجر، وصلوا الصبح مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم باشروا الهجوم مع شروق الشمس «٦» ، وقد فوجيء الفلاحون من يهود بالمسلمين حين كانوا في طريقهم إلى أشغالهم، فصاحوا: «محمد والخميس!» ، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «الله أكبر خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» «٧» .

وقد تهارب اليهود إلى حصونهم وأغلقوها دونهم فحاصرهم المسلمون، وحاولت قبيلة غطفان نجدة حلفائها اليهود، ولكنهم لم يشتركوا في القتال خوفا من أن يهاجم المسلمون ديارهم «٨» .


(١) قال بذلك ابن إسحاق، انظر سيرة ابن هشام ٢/ ١٣٠، الواقدي- مغازي رسول الله ٢/ ٦٣٤، ابن حجر- فتح الباري ٧/ ٤٦٤.
(٢) يكمن مرد الخلاف في الأصل إلى الاختلاف في تحديد بداية السنة الهجرية الأولى فقد احتسب بعضهم الأشهر بين محرم وربيع الأول وهو شهر الهجرة مما نجم عن احتساب إضافة سنة واحدة كاملة الى تواريخ الحوادث بسبب أن السنة الهلالية الشرعية تبدأ من المحرم، ومنهم من امتنع عن ذلك واهملها معتبرا ربيع الأول بداية التقويم، وبذلك فإنه أسقط تسعة أشهر من تاريخ الحوادث، وفي هذه المناسبة ذهب كل من الزهري ومالك إلى أن خيبر وقعت في المحرم من السنة السادسة (ابن عساكر- تاريخ دمشق ١/ ٣٣) في حين ذهب محمد بن سعد إلى أنها وقعت في جمادى الأولى سنة ٧ هـ (الطبقات ٢/ ١٠٦) في حين اعتبرها شيخه الواقدي في صفر أو ربيع الأول السنة السابعة (المغازي ٢/ ٦٣٤) .
(٣) أبو داود- السنن، كتاب الخراج والفيء والأمارة ٣/ ٤١٣، الحاكم- المستدرك، ٢/ ١٣١، وكان غياب جابر بعذر مشروع (ابن هشام- السيرة النبوية ٣/ ٤٦٧) .
(٤) البخاري- الصحيح، كتاب المغازي- باب غزوة خيبر ٧/ ٤٧٠ (حديث ٤٢٠٥) .
(٥) الواقدي- مغازي ٢/ ٦٣٩.
(٦) الواقدي- مغازي ٢/ ٦٣٩، ابن هشام- سيرة ٣/ ٤٣٨.
(٧) البخاري- الصحيح، كتاب الصلاة ١/ ٤٧٨، (حديث ٦١٠) ، مسلم- الصحيح ٣/ ١٤٢٦- ١٤٢٧، حديث ١٣٦٥) .
(٨) ذكر ابن إسحاق أنهم تجمعوا وساروا نحو خيبر وبعد أن قطعوا مرحلة، سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا فظنوا أن المسلمين قد خالفوا إليهم فرجعوا وخلوا بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبين خيبر (ابن هشام- السيرة ٣/ ٤٣٨) ، ويقرر الواقدي وصول غطفان إلى حصون خيبر وينفرد بالقول أنهم رفضوا عرضا من النبي صلّى الله عليه وسلّم بمنحهم تمر خيبر لذلك الموسم مقابل إنسحابهم، ولا يصح الاعتماد على هذه المعلومات لضعف الواقدي وعدم ورود ذلك من طرق أخرى (الواقدي- مغازي ٣/ ٦٥٠) .