للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بدأ المسلمون حصارهم لحصون خيبر، وحمل أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- الراية خلال اليومين الأولين من حصار حصن ناعم، ولقي المسلمون مقاومة عنيفة وأصابتهم شدة وجهد، ولم يتمكنوا من فتح الحصن خلال تلك الفترة فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي دافع اللّواء غدا إلى رجل يحبّه الله ورسوله، ويحبّ الله ورسوله، ولا يرجع حتّى يفتح له» «١» ، فطابت نفوس المسلمين، فلما صلّى فجر اليوم الثالث دعا علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ودفع إليه اللواء فحمله فتم فتح الحصن على يديه «٢» ، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أوصى عليّا بأن يبدأ بدعوة يهود إلى الإسلام وبأن يقاتلهم إذا رفضوا ذلك «حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك منعوا منك دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله» «٣» ، وقد استشهد في حصار حصن ناعم محمود بن مسلمة الأنصاري الذي ألقى عليه مرحب اليهودي رحى من أعلى الحصن، وقد بارزه عليّ بعد ذلك فقتله، وكان لذلك أثره السلبي في هبوط معنويات اليهود، فقد كان مرحب من أبطالهم المعدودين «٤» . وواصل اليهود في حصن الناعم مقاومتهم الحصار الإسلامي الذي استمر لمدة عشرة أيام «٥» .

توجه المسلمون بعد فتح حصن الناعم إلى حصار حصن الصعب بن معاذ في منطقة النطاة، وقد تحصن فيه خمسمائة مقاتل من اليهود ومعهم المؤن والطعام والمتاع، وقد أبلى المسلمون، وحامل رايتهم الحباب بن المنذر، بلاء حسنا وأحكموا الحصار، واستمرت مقاومة اليهود ثلاثة أيام قبل أن يفتح الله بالنصر للمسلمين، وقد غنموا منه الكثير من الطعام والمتاع «٦» .

وكان حصن قلعة الزبير آخر حصون منطقة النطاة، وأكثرها حصانة، وقد تجمع فيه إضافة إلى من كان فيه أصلا، أولئك الذين فروا من حصني ناعم والصعب وبقية حصون اليهود القريبة، وحاصرهم المسلمون، وقطعوا عن الحصن مجرى الماء واضطروهم إلى الخروج من الحصن للقتال، وأصابوا منهم عشرة من مقاتليهم، قبل أن يتم فتح الحصن بعد ثلاثة أيام من الحصار «٧» .


(١) أحمد- المسند ٥/ ٣٥٣.
(٢) أحمد- المسند ٥/ ٣٥٣، الحاكم- المستدرك ٣/ ٣٧، الهيثمي- مجمع الزوائد ٦/ ١٥٠، وأصل الرواية ورد في صحيح مسلم ٤/ ١٨٧٢ (الاحاديث ٢٤٠٥- ٢٤٠٧) وليس فيه خبر حمل أبي بكر الراية، ووردت عدة روايات ضعيفة أخرى فيها أن عمر- رضي الله عنه- هو حامل الراية، وبأنه قد تعاقب مع أبي بكر- رضي الله عنه- عليها.
(٣) مسلم- الصحيح، كتاب الفضائل ٤/ ١٨٧٢، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم ١٥/ ١٧٧.
(٤) مسلم- الصحيح ٣/ ١٤٣٣ (حديث ١٨٠٧) ، وانظر ابن هشام- السيرة ٣/ ٤٣٨، الواقدي- مغازي ٢/ ٦٤٥ وقد وردت عدة روايات تفيد أن عليا تترس بأحد أبواب الحصن بعد أن أسقط ترسه بعد مبارزته لأحد أبطال اليهود وكلها روايات ضعيفة وإهمالها وعدم إعتبارها لا ينفي عن علي- رضي الله عنه- قوته وشجاعته وجهاده وصلابته ويكفيه ما قاله الرسول صلّى الله عليه وسلّم عنه وما ورد في فضائله بالمرويات الصحيحة. انظر الساعاتي- الفتح الرباني ٢١/ ١٢٠، ابن هشام السيرة ٣/ ٤٤٦، ابن كثير- السيرة ٣/ ٣٥٩، ابن حجر الإصابة ٢/ ٥٠٩، البيهقي- دلائل ٤/ ٢١٢، الشامي السيرة ٥/ ٢٠١.
(٥) الواقدي- المغازي ٢/ ٦٥٧، وانظر البيهقي- دلائل ٤/ ٢١٢.
(٦) الواقدي- المغازي ٢/ ٦٥٩- ٦٦٣.
(٧) الواقدي- المغازي ٢/ ٦٦٣- ٦٧٠، الشامي- سبل ٥/ ٢٠٢- ٢٠٦.