للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انتقل المسلمون بعد ذلك من معسكرهم في الرجيع، وعسكروا في منطقة المنزلة بعد أن تخلصوا من أهل النطاة الذين كانوا أشد وأشرس اليهود، وقد ارتفعت معنويات المسلمين كثيرا بسبب انتصاراتهم المتكررة على عدوهم وحيازتهم طعامه ومتاعه، في الوقت الذي انحطت فيه معنويات يهود خيبر الآخرين، إضافة إلى ما أصابهم من رعب وقنوط وهم يشاهدون حصون منطقة النطاة وهي تتهاوى تحت ضربات المسلمين وحصارهم.

وتوجه المسلمون لفتح منطقة الشق التي تحتوي على عدد من حصون اليهود أهمها حصن أبيّ، وحصن النزار، وبعد مبارزات فردية هجم المسلمون على حصن أبّي فاقتحموه وحازوا ما فيه من طعام ومتاع، وتمكن بعض مقاتلة اليهود من الانتقال إلى حصن نزار، فدعموا مقاومته بوجه الهجوم الإسلامي، وقاتلوا بالنبال والحجارة، غير أنهم سرعان ما تهاوت مقاومتهم، وكتب الله النصر للمسلمين، وفتح الحصن، وفر من تمكن من مقاتلته إلى منطقة الكتيبة حيث تحصنوا في حصن القموص المنيع، كما التحق بعضهم بمن كان في حصني الوطيح والسلالم. وقد حاصرهم المسلمون أربعة عشر يوما، حتى طلبوا الصلح دون أن يحصل قتال «١» ، وكان القتال عند حصن نزار في منطقة الشق هو آخر قتال ليهود خيبر، فقد انهارت بعد ذلك مقاومتهم، فاقتصروا على التحصن في قلاعهم وآطامهم وحصونهم وكانوا دائما ينزلون على الصلح «٢» والثابت أن يهود حصن القموص سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم الصلح ثم نكثوا العهد فحاز أموالهم «٣» ، وتواترت الروايات الصحيحة على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد فتح خيبر عنوة فقد غلب على الأرض والنخل وألجأهم إلى حصونهم التي قاتلهم عليها أو صالحهم فنكثوا العهد «٤» .

ولقد أيقن يهود حصني الوطيح والسلالم بعدم جدوى المقاومة بعد أن سقطت حصونهم الشمالية المنيعة:

النطاة والشق والقموص، ولذلك فإنهم سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يسيّرهم وأن يحقن دماءهم، وقد وافق النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك «٥» . وبذلك فقد سقطت سائر منطقة خيبر أرضها وزروعها ومياهها وحصونها بيد المسلمين «٦» .


(١) الواقدي- المغازي ٦٥٨- ٦٧١.
(٢) انفرد الواقدي بتقديم صورة واضحة عن أحداث فتح منطقة خيبر ووادي القرى وفدك وما جاورها، ومع أنه ضعيف عند المحدثين والنقاد، فإنه إخباري غزير المعلومات، وما يقدمه في هذا المجال هو مما يتساهل فيه من الأخبار.
(٣) وكان صلحهم على أن للمسلمين ما كان عندهم من ذهب وفضة وسلاح ودروع «الصفراء والبيضاء والحلقة» ، وأن لهم ما حملت ركابهم، على ألّا يكتموا ولا يغيبوا شيئا فإن فعلوه فلا ذمة لهم ولا عهد، فغيبوا مسكا لحيي بن أخطب، وحين سئلوا عنه أنكروا وجوده وادعوا أنه إنما أذهبته الحروب والنفقات، فوجد المسلمون المسك عندهم مما أسقط ذمتهم وعهدهم (ابو داود- السنن ٣/ ٤٠٨) .
(٤) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٣/ ٣٢ حديث ١٣٦٥) ، مسلم الصحيح ٣/ ١٤٢٧ (حديث ١٣٦٥) ، أبو داود- السنن ٣/ ٤٠٨- ٤١٠، كتاب الخراج (حديث ٣٠٠٩) بإسناد صحيح وقد جزم ابن القيم في زاد المعاد ٣/ ٣٥٢- ٣٥٤ أنها فتحت عنوة، وبه قال ابن عبد البر- الدرر ص/ ٢١٤.
(٥) ابن هشام- السيرة ٣/ ٤٤٩.
(٦) لقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أبقى يهود خيبر فيها على أن يعملوا في زراعتها وينفقوا عليها من أموالهم ولهم نصف ثمارها على أن للمسلمين حق إخراجهم منها متى ما أرادوا ذلك، وكان هذا الاتفاق بمبادرة من يهود أنفسهم انظر: البخاري- الصحيح (باب معاملة النبي صلّى الله عليه وسلّم أهل خيبر) ٧/ ٤٩٦، مسلم- الصحيح- كتاب المساقاة ٣/ ١١٨٦- ١١٨٧، أبو داود- السنن، كتاب البيوع ٣/ ٦٩٧.