للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما فرغ المسلمون من فتح خيبر، بلغت يهود فدك أخبارهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب، فبعثوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم يطلبون الصلح على أن يحقن دماءهم ويسيرهم، ويتنازلوا في المقابل عن أموالهم له، وقد وافق النبي صلّى الله عليه وسلّم على طلبهم «١» ، وبذلك كانت فدك خالصة للرسول صلّى الله عليه وسلّم. «٢»

حاصر المسلمون بعد ذلك وادي القرى فاستسلمت، وغنم المسلمون منها أموالا كثيرة وتركوا الأرض والنخل بيد يهود وعاملوهم عليها مثل خيبر «٣» ، وكذلك الحال مع تيماء التي صالحت وعومل أهلها في زراعة أرضهم على مثل معاملة خيبر ووادي القرى «٤» .

استشهد من المسلمين خلال هذه المعارك عشرون رجلا «٥» ، في حين بلغ عدد قتلى يهود في معارك خيبر ثلاثة وتسعين رجلا «٦» ، وذلك من خذلان الله تعالى ليهود، حيث كانوا يقاتلون من خلف حصونهم وهم يدافعون عنها، في حين كان المسلمون في حالة هجوم وهم بدون حواجز أو سواتر سوى عصمة الله تعالى.

أحدث فتح خيبر وفدك ووادى القرى وتيماء دويّا هائلا في الجزيرة العربية بين مختلف القبائل، وقد أصيبت قريش بالغيظ والكآبة إذ لم تكن تتوقع ذلك، وهي تعلم مدى حصانة قلاع يهود خيبر، وكثرة مقاتلتهم، ووفرة سلاحهم ومتاعهم ومئونتهم «٧» ، أما القبائل العربية الأخرى المناصرة لقريش فقد أدهشها خبر هزيمة يهود خيبر، وخذّلها انتصار المسلمين الساحق، ولذلك فإنها جنحت إلى مسالمة المسلمين وموادعتهم بعد أن أدركت عدم جدوى استمرارها في عدائهم، مما فتح الباب واسعا لنشر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، بعد أن تعززت مكانة المسلمين في أعين أعدائهم إلى جانب ما تحقق لهم من خير وتعزيز لوضعهم الاقتصادي.

وقد نزلت آية من الذكر الحكيم، أوضحت بأن غنائم خيبر هي خاصة بمن شهد الحديبية من المسلمين


(١) أبو داود- السنن ٣/ ٤١٤ كتاب الخراج (حديث ٣٠١٦) ، المنذري- مختصر سنن أبي داود ٤/ ٢٣٩، أبو يوسف- الخراج ص/ ٥٠.
(٢) حيث أنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وهي الفيء الذي نصت عليه الآية/ ٦ من سورة الحشر.
(٣) خليفة بن خياط- التاريخ ص/ ٨٥ وهي مجموعة قرى في واد كثير الزراعة إلى الشمال من خيبر بينها وبين تيماء، وانظر ابن القيم- زاد المعاد ١/ ٤٠٥.
(٤) ابن القيم- زاد المعاد ١/ ٤٠٥.
(٥) أورد ابن هشام في السيرة ٢٠/ ٨٠٤- ٨٠٥ قائمة بأسماء الشهداء في خيبر، أما الواقدي فقد ذكر أنهم خمسة عشر شهيدا (المغازي ٢/ ٧٠٠) .
(٦) الواقدي- المغازي ٢/ ٦٩٩، وقد سبيت نساؤهم، وكانت أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب- رضي الله عنها- أصلا ضمن سبي خيبر وقعت في سهم دحية الكلبي، فاشتراها النبي صلّى الله عليه وسلّم وأعتقها ثم تزوجها في طريق العودة إلى المدينة (البخاري- الصحيح) فتح الباري حديث ٤٢١١) ، وعنده أنه اصطفاها لنفسه، وانظر مسلم- الصحيح ٢/ ١٠٤٥- ١٠٤٦ (حديث ١٣٦٥) ، الحاكم- المستدرك ٤/ ٢٨.
(٧) أحمد- المسند ٣/ ١٣٨، الهيثمي- موارد الظمآن ص/ ١٤٣.