للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من جبل التّنعيم متسلّحين. يريدون غرّة النّبيّ «١» صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. فأخذهم سلما فاستحياهم. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ «٢» » ) * «٣» .

٥-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- بلغنا مخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم: أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم- إمّا قال: في بضع، وإمّا قال:

في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي- فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه، حتّى قدمنا جميعا، فوافقنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر. وكان أناس من النّاس يقولون لنا- يعني لأهل السّفينة- سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عميس- وهي ممّن قدم معنا- على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة- وأسماء عندها- فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: أالحبشيّة هذه؟ أالبحريّة هذه؟ قالت أسماء:

نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله منكم. فغضبت وقالت: كلّا والله، كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنّا في دار أو في أرض- البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلّى الله عليه وسلّم. وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا. قال:

«فما قلت له؟» قالت: قلت له: كذا وكذا. قال:

«ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» . قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتونني أرسالا «٤» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنّه ليستعيد هذا الحديث منّي) * «٥» .

٦-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما صلاة العصر بنهار ثمّ قام خطيبا، فلم يدع شيئا يكون إلى قيام السّاعة إلّا أخبرنا به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، وكان فيما قال: «إنّ الدّنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، ألا فاتّقوا الدّنيا «٦» واتّقوا النّساء» ، وكان فيما قال «ألا لا يمنعنّ رجلا هيبة


(١) الغرة: هي الغفلة أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه غفلة ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم.
(٢) سورة الفتح: آية رقم (٢٤) .
(٣) مسلم (١٨٠٨) .
(٤) أرسالا: أفواجا.
(٥) البخاري- الفتح ٧ (٤٢٣٠- ٤٢٣١) .
(٦) اتقوا الدنيا: اجعلوا بينكم وبينها وقاية بترك الحرام وترك الإكثار منها والزهد فيها.