للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جنب ولا تؤخذ صدقاتهم إلّا في دورهم» «١» .

أما في الخطبة الثالثة فقد أعلن صلّى الله عليه وسلّم تحريم مكة وتحريم صيدها وخلالها ولقطتها والقتال فيها، وقال إن الله قد أحلها له ساعة من نهار وهو وقت الفتح، وبين أنه لا هجرة بعد الفتح ولكن يبقى الجهاد والنية «٢» .

وأوضح صلّى الله عليه وسلّم في خطبته الرابعة: أن وليّ المقتول بالخيار بين قبول الدية أو القصاص «٣» .

وفي فتح مكة نزل قول الله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً «٤» .

ولقد كان من أبرز نتائج فتح مكة مبادرة قبائل العرب إلى قبول الإسلام بعد أن تيقنوا من نتيجة الصراع بين المسلمين وقريش، وقد أورد الإمام البخاري رواية من حديث عمرو بن سلمة جاء فيها: أن العرب كانت «تلوّم بإسلامها الفتح، يقولون: انظروا فإن ظهر عليهم فهو صادق وهو نبي، فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم»

» ، ويرى ابن إسحاق أن العرب كانت «تربّص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك أن قريشا كانوا إمام الناس وهاديهم، وأهل البيت الحرام، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وقادة العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخلافه، فلما افتتحت مكة ودانت له قريش، ودوخها الإسلام، وعرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا عداوته، فدخلوا في دين الله، كما قال عز وجل أفواجا يضربون إليه من كل وجه» «٦» .

ومن نتائج فتح مكة المكرمة تحول مركز ثقل معسكر الشرك إلى الطائف حيث سارعت كل من قبيلتي هوازن وثقيف إلى التصدي للإسلام وقيادة معسكر الشرك المعادي له.

وإضافة إلى ما تحقق في فتح مكة من اتساع رقعة ديار الإسلام، وتسارع وتيرة دخول العرب في الإسلام، وإنهاء مقاومة قريش وحلفائها، وتحولهم إلى قوة إيجابية دافعة لنشر العقيدة الإسلامية والتصدي لخصومها ودفع الخطر عنها، فقد اتضحت بعض الأحكام الشرعية المهمة من جراء فتح مكة وخلال أحداث غزوتها، من ذلك جواز الصيام والإفطار في نهار رمضان للمسافر في غير معصية «٧» .


(١) أخرج مسلم أوله في الصحيح ٤/ ١٩٦١ (حديث ٢٥٣٠) ، وأخرجه الإمام أحمد كاملا في الفتح الرباني (٢١/ ١٦٠- ١) ، كما صححه الإمام الترمذي، وقال الساعاتي: «حديث صحيح» .
(٢) ولهذا فقد بايع النبي صلّى الله عليه وسلّم المسلمين بعد الفتح في مكة المكرمة وغيرها على الإسلام والإيمان والجهاد.
(٣) البخاري- الصحيح ١/ ٣٨ (حديث ٦٨٨٠) ، مسلم ٣/ ١٤٨٧- ١٤٨٨ (حديث ١٨٦٤) .
(٤) القرآن الكريم- سورة النصر، وانظر البخاري- الصحيح ٥/ ١٨٩ (حديث ٤٢٩٤) . وأصل تلوّم تتلوّم ومعناها: تنتظر. انظر فتح الباري (٧/ ٦١٧) .
(٥) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث ٤٣٠٢) ، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٧٠.
(٦) ابن هشام- سيرة ٢/ ٥٦٠.
(٧) مسلم- الصحيح ١/ ٤٥١.