للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذبه وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فنزل القرآن في ذلك. قال ابن عمر: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنّا نخوض ونلعب «١» .

وصل المسلمون إلى تبوك، وأوردت المصادر نص خطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم في المسلمين عند ذلك «٢» ، ولم يقع قتال مع الروم ولا مع القبائل العربية المتنصرة التي كانت تحت سيادتهم، ومكث النبي صلّى الله عليه وسلّم بجيشه عشرين ليلة في تبوك قبل أن يعود به إلى المدينة «٣» .

وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أعطى اللواء الأعظم لأبي بكر الصديق- رضي الله عنه-، والراية العظمى للزبير بن العوام، وجعل أسيد بن حضير على راية الأوس، والحباب بن المنذر على راية الخزرج، كما أمر بطون الأنصار أن يتخذوا الألوية والرايات وكذلك الحال مع القبائل العربية الأخرى «٤» .

ومن تبوك أرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم سرية من أربعمائة وعشرين مقاتلا شارك فيها عدد من الصحابة عهد بها إلى خالد ابن الوليد، وجهها إلى دومة الجندل، وتم أسر ملكها أكيدر بن عبد الملك الكندي وهو في البادية يتصيد، وصالحه النبي صلّى الله عليه وسلّم على الجزية «٥» . وكانت غنائم هذه السرية ثمانمائة من السبي وألف بعير وأربعمائة درع ومثلها من الرماح «٦» ، وقد وردت عدد من المرويات الصحيحة عن هدية أكيدر إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأنها شملت عددا من الحلل «٧» .


(١) الطبري- التفسير ١٤/ ٣٣٣، واصح ما روى في تفسير الآية (٦٦) ، من التوبة هو أن الذي عفى عنه هو مخشي بن حمير الأشجعي الذي أنكر بعض ما سمع وعن ذلك انظر: الطبري- التفسير ١٤/ ٣٣٦- ٧، ابن كثير- التفسير ٤/ ١١٢ السيوطي- الدار المنثور ٣/ ٢٥٤. وأورد ابن هشام في السيرة ٣/ ٥٢٤- ٢٥ رواية ابن إسحاق في أمر هؤلاء المنافقين، وقال: إنهم إنما كانوا يشيرون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في الطريق إلى تبوك، وذكر أن أحدهم قال لبعضهم: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا! والله لكأنا بكم مقرنين بالحبال إرجافا وترهيبا للمؤمنين، فقال مخشي بن حمير: «والله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة، وأنّا نتفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه» ، وذكر تمام الخبر. والتّفلّت هو التخلص من الشيء فجأة من غير تمكث (النهاية ٣/ ٤٦٧) .
(٢) لم تثبت هذه الخطبة من طريق صحيح رغم أن فقراتها مأخوذة من أحاديث أخرى بعضها صحيح وبعضها حسن، وقد أخرج الإمام أحمد في المسند ٣/ ٣٧ نص خطبة أخرى قصيرة في إسنادها مجهول، وكذلك فعل القاسم بن سلام في الأموال (ص/ ٢٥٥- ٢٥٦) ، كما أخرج الحافظ ابن كثير نص خطبة طويلة (البداية والنهاية ٥/ ١٣- ١٤) في إسنادها أحد المتروكين. وقد رجح الدكتور العمري أن يكون بعض الرواة قد لفق هذه الخطبة من بعض الأحاديث الصحيحة المعروفة.
(٣) موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ص/ ١٤٥ بإسناد صحيح.
(٤) الواقدي- مغازي رسول الله، ٢/ ٩٩٢، ابن سعد- الطبقات، ٣/ ١٦٩، ابن عساكر- تاريخ دمشق ١/ ٤١٦.
(٥) ابن كثير- البداية ٥/ ١٧، من مراسيل عروة وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، ابن حجر- الإصابة (٤١٢- ٤١٥، السيوطي- الخصائص الكبرى ٢/ ١١٢- ١١٣ وكلاهما عن طريق ابن إسحاق ضعيف مدلس، ابن هشام- السيرة ٣/ ٥٢٦ بإسناد حسن حيث صرح ابن إسحاق بالسماع والرواية عن عاصم عن قتادة عن أنس بن مالك.
(٦) ابن كثير- البداية ٥/ ١٧، من مراسيل عروة بن الزبير.
(٧) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الحديث ٣٨٠٢) ، مسلم- الصحيح ٤/ ١٩١٦- ١٨١٧ (الأحاديث ٢٤٦٨- ٢٤٦٩) . وقد أوردها ابن حجر في الفتح عند شرح حديث البخاري المذكور آنفا، والذهبي في المغازي ص/ ٦٤٦، وانظر كذلك البخاري- الصحيح (فتح الباري، الأحاديث ٢٦١٢، ٢٦١٤، ٢٦١٩) .