للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو بصير فقال: يا نبيّ الله، قد والله أوفى الله ذمّتك قد رددتني إليهم، ثمّ أنجاني الله منهم. قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

«ويل أمّه مسعر حرب لو كان له أحد» ، فلمّا سمع ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم، فخرج حتّى أتى سيف البحر «١» . قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلّا لحق بأبي بصير، حتّى اجتمعت منهم عصابة، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلّا اعترضوا لها. فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تناشده الله والرحم لمّا أرسل فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فأنزل الله تعالى (الفتح/ ٢٤) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ حتّى بلغ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ وكانت حميّتهم أنّهم لم يقرّوا أنّه نبيّ الله، ولم يقرّوا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت) * «٢» .

٦-* (عن عبيد الله بن كعب- وكان من أعلم الأنصار- أنّ أباه كعب بن مالك- وكان كعب ممّن شهد العقبة وبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها- قال:

خرجنا في حجّاج قومنا من المشركين وقد صلّينا وفقهنا ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيّدنا فلمّا توجّهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة، قال: البراء لنا: يا هؤلاء إنّي قد رأيت والله رأيا، وإنّي والله ما أدري توافقوني عليه أم لا؟ قال: قلنا له: وما ذاك؟ قال قد رأيت أن لا أدع هذه البنيّة منّي بظهر- يعني الكعبة- وأن أصلّي إليها، قال: فقلنا: والله ما بلغنا أنّ نبيّنا يصلّي إلّا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه فقال: إنّي أصلّي إليها فقلنا له: لكنّا لا نفعل، فكنّا إذا حضرت الصلاة صلّينا إلى الشام وصلّى إلى الكعبة حتّى قدمنا مكّة، قال أخي:

وقد كنّا عبنا عليه ما صنع، وأبى إلّا الإقامة عليه، فلمّا قدمنا مكّة قال: يابن أخي انطلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاسأله عمّا صنعت في سفري هذا، فإنّه والله قد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إيّاي فيه، قال:

فخرجنا نسأل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكنّا لا نعرفه لم نره قبل ذلك، فلقينا رجل من أهل مكّة فسألناه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هل تعرفانه؟ قال: قلنا: لا. قال:

فهل تعرفان العبّاس بن عبد المطلّب عمّه؟ قلنا: نعم.

قال: وكنّا نعرف العبّاس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا.

قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العبّاس. قال: فدخلنا المسجد فإذا العبّاس جالس ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه جالس، فسلّمنا ثمّ جلسنا إليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للعبّاس: هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال: نعم. هذا البراء بن معرور سيّد قومه، وهذا كعب بن مالك قال: فو الله ما أنسى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الشاعر؟» قال: نعم. قال: فقال البراء ابن معرور: يا نبيّ الله إنّي خرجت في سفري هذا وهداني الله للإسلام، فرأيت أن لا أجعل هذه البنيّة منّي بظهر، فصلّيت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتّى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: لقد كنت على قبلة لو صبرت


(١) سيف البحر- بكسر السين- أي ساحله.
(٢) البخاري- الفتح (٥/ ٢٧٣١، ٢٧٣٢) واللفظ له، ومسلم (١٧٨٣، ١٧٨٤، ١٧٨٥) .