للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رءوسهم الطّير، فإذا سكت تكلّموا، كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق، ولا فحّاش ولا غيّاب ولا مدّاح ولا يقبل الثّناء إلّا من مكافيء «١» .

٣- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان كأنّ الشّمس تجري في جبهته «٢» . وما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّما الأرض تطوى «٣» له، إنّا لنجهد أنفسنا «٤» وإنّه لغير مكترث «٥» » «٦» .

٤- وعن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ليلة إضحيان «٧» وعليه حلّة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسن من القمر «٨» .

٥- وعن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر، قال: قلت للرّبيّع بنت معوّذ: صفي لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت


(١) الإطراق: خفض الرأس وإدامة النظر إلى الأرض بين يديه كأنما على رءوسهم الطير: أراد وصفهم بالسكون والثبات في المجلس لأن الطير لا تسقط إلا على ساكن، والبشر: طلاقة الوجه وبشاشته، والفظ: السيء الخلق، والسخاب: من السخب وهو الضجة واضطراب الأصوات، والفحاش والعياب: مبالغة من الفحش في القول وعيب الناس والوقيعة فيهم. لا يقبل الثناء إلا من مكافيء: أراد أنه كان إذا ابتديء بثناء ومدح كره ذلك، وإذا اصطنع معروفا فأثنى عليه مثن وشكر له قبل ثناءه، وقيل: المعنى أنه لا يقبل الثناء عليه ممن لا يعرف حقيقة إسلامه، ولا يكون من المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وقيل: إنه لا يقبل الثناء إلا من مقارب غير مجاوز حد مثله، ولا مقصر عما رفعه الله إليه، والمكافأة: المجازاة على الشيء، والتكافؤ: التساوي. (الحديث وشرحه في منال الطالب لابن الأثير تحقيق د. محمود الطناحي: ص ١٩٧- ص ٢١٧- مطبعة المدني بالقاهرة نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ١٩٧٩) .
(٢) وفي رواية البيهقي في دلائل النبوة: «كأن الشمس تجري في وجهه» . قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال الطيبي: شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه صلّى الله عليه وسلّم، وفيه عكس التشبيه للمبالغة، قال: ويحتمل أن يكون من باب تناهى التشبيه جعل وجهه مقرا ومكانا للشمس. انظر فتح الباري (٦/ ٦٦٢) .
(٣) تطوى له الأرض: أي تقطع مسافتها بسهولة ويسر وسرعة. انظر البداية والنهاية لابن الأثير (٣/ ١٤٦) بتصرف.
(٤) إنا لنجهد أنفسنا: أي نحمل عليها في السير، يقال جهد الرجل في الشيء: أي جد فيه وبالغ. انظر البداية والنهاية لابن الأثير (١/ ٣١٩) .
(٥) وإنه لغير مكترث: أي غير مبال.
(٦) رواه الترمذي برقم (٣٦٤٨) ، والإمام أحمد في المسند (٢/ ٣٥٠، ٣٨٠) وقال أحمد شاكر إسناده صحيح. انظر ترتيب المسند (١٦/ ٢٤٨) برقم (٨٥٨٨) ، ورواه البيهقي في دلائل النبوة (١/ ٢٩٠) .
(٧) إضحيان: قال ابن الأثير: يقال: ليلة إضحيان، وإضحيانة، أي مضيئة مقمرة، النهاية ٣/ ٧٨.
(٨) رواه الترمذي برقم (٢٨١١) وقال: حديث حسن غريب، ورواه الدارمي (١/ ٣٣) . ورواه الحاكم في المستدرك (٤/ ١٨٦) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. رواه البيهقي في دلائل النبوة (١/ ١٩٦) بهذا اللفظ وفي آخره: « ... فلهو كان في عيني أحسن من القمر» ، وفي لفظ آخر عن جابر بن سمرة « ... فجعلت أماثل بينه وبين القمر» . وأيضا صححه الألباني. انظر مختصر شمائل الترمذي له: ص (٢٧) .