ذلك من ضرر المحتاج وأكل ماله بالباطل، وهذا المعنى موجود في هذه الصّورة. وإنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرىء مانوى. وإنّما الّذي أباحه الله البيع والتّجارة، وهو أن يكون المشتري غرضه أن يتجر فيها.
فأمّا إذا كان قصده مجرّد الدّراهم بدراهم أكثر منها:
فهذا لا خير فيه.
وسئل- رحمه الله-: عن رجل يداين النّاس كلّ مائة بمائة وأربعين، ويجعل سلفا على حرير، فإذا جاء الأجل، وأعسر المدين عن وفائه قال له: عاملني، فيأخذ ربّ الحرير من عنده، ويقول للمدين: اشتريت منّي هذا الحرير بمائة وتسعين. إلّا أنّه يأتيه على حساب كلّ مائة بمائة وأربعين. وإذا قبضه المدين منه قال: أوفني هذا الحرير عن السّلف الّذي لي عندك، وإذا جاءت السّنة الثّانية طالبه بالدّراهم المذكورة، فأعسرت عليه، أو بعضها. قال: عاملني، فيحسب المتبقّي والأصل. ويجعل ذلك سلفا على حرير. فما يجب على هذا الرّجل؟.
فأجاب: هذا هو عين الرّبا الّذي أنزل فيه القرآن؛ فإنّه كان يكون للرّجل على الرّجل الدّين.
فيأتي إليه عند محلّ الأجل، فيقول: إمّا أن تقضي، وإمّا أن تربي، فإن وفّاه وإلّا زاده المدين في الدّين.
وزاده الغريم في الأجل، حتّى يتضاعف المال. فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ* وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (البقرة/ ٢٧٨- ٢٨٠) .
وهذه المعاملة الّتي يفعلها مثل هذا المربي:
مقصودها مقصود أولئك المشركين المربين؛ لكنّ هذا أظهر صورة المعاملة، وهذا لا ينفعه باتّفاق أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم؛ فإنّ هذا المربي يبيعه ذلك الحرير إلى أجل؛ ليوفيه إيّاه عن دينه، فهو بمنزلة أن يبيعه إيّاه إلى أجل ليشتريه بأقلّ من ذلك وقد سئل ابن عبّاس عن مثل هذا، فقال: هذا حرام، حرّمه الله ورسوله.
وسألت أمّ ولد زيد بن أرقم عائشة أمّ المؤمنين عن مثل هذا. فقالت: إنّي بعت من زيد غلاما إلى العطاء بثمانمائة درهم، ثمّ ابتعته بستّمائة، فقالت لها عائشة:
بئس ما اشتريت، وبئس ما بعت. أخبري زيدا أنّه أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا أن يتوب. قالت:
يا أمّ المؤمنين أرأيت إن لم أجد إلّا رأس مالي. فقالت عائشة فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ (البقرة/ ٢٧٥) . وفي السّنن عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الرّبا» .
وقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ سلف وبيع» فنهى أن يبيع ويقرض ليحابيه في البيع؛ لأجل القرض. وثبت عنه في الصّحيح أنّه قال: «إنّما الأعمال بالنّيّات» فهذان المتعاملان إن كان قصدهما أخذ دراهم بدراهم إلى أجل فبأيّ طريق توصّل إلى ذلك كان حراما؛ لأنّ المقصود حرام لا يحلّ قصده، بل قد نهى السّلف عن كثير من ذلك سدّا للذّرائع؛ لئلّا يفضي إلى هذا المقصود، وهذا المرابي لا يستحقّ في ذمم النّاس إلّا ما أعطاهم أو نظيره. فأمّا الزّيادات فلا يستحقّ شيئا منها، لكن ما قبضه قبل ذلك بتأويل فإنّه يعفى عنه، وأمّا ما بقى له في الذّمم فهو ساقط.