للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٧-* (عن عروة بن الزّبير عن عائشة- رضي الله عنها- قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ (يوسف/ ١١) قال:

قلت: «أكذبوا أم كذّبوا؟ قالت عائشة: كذبوا. قلت:

فقد استيقنوا أنّ قومهم كذّبوهم، فما هو بالظّنّ؟

قالت: أجل لعمري، لقد استيقنوا بذلك. فقلت لها:

وظنّوا أنّهم قد كذبوا؟ قالت: معاذ الله، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها. قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم وصدّقوهم، فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النّصر، حتّى إذا استيأس الرّسل ممّن كذّبهم من قومهم، وظنّت الرّسل أنّ أتباعهم قد كذّبوهم، جاء نصر الله عند ذلك» ) * «١» .

٨-* (عن سعد بن عبيدة؛ قال:" جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: لعلّ ذلك يسوؤك؟ قال: نعم. قال:

فأزغم الله بأنفك ثمّ سأله عن عليّ، فذكر محاسن عمله قال: هو ذاك. بيته أوسط بيوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قال: لعلّ ذاك يسوؤك؟ قال: أجل. قال فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد على جهدك» ) * «٢» .

٩-* (عن عبد الله بن المبارك قال: «جئت إلى سفيان عشيّة عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فبكيت، فالتفت إليّ فقال: ما شأنك؟

فقلت: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الّذي يظنّ أنّ الله- عزّ وجلّ- لا يغفر لهم» ) * «٣» .

١٠-* (قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: قد ذكر غير واحد أنّ عروة بن الزّبير لمّا خرج من المدينة متوجّها إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة كان مبدؤها هناك، فظنّ أنّها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلّا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطبّاء العارفين بذلك، فاجتمعوا على أنّه إن لم يقطعها وإلّا أكلت رجله كلّها إلى وركه، وربّما ترقّت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها، وقالوا:

ألا نسقيك مرقدا حتّى يذهب عقلك منه فلا تحسّ بألم النّشر؟ فقال: لا. والله ما كنت أظنّ أنّ أحدا يشرب شرابا أو يأكل شيئا يذهب عقله، ولكن إن كنتم لا بدّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصّلاة، فإنّي لا أحسّ بذلك، ولا أشعر به. قال: فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحيّ، احتياطا أنّه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلّي، فما تضوّر «٤» ولا اختلج «٥» ، فلمّا انصرف من الصّلاة عزّاه الوليد في رجله، فقال: اللهمّ لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنت قد أبليت فلطا لما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت ...

فلمّا قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة، فما سمعناه ذكر رجله ولا ولده، ولا شكا ذلك إلى أحد


(١) البخاري- الفتح ٨ (٤٦٩٥) .
(٢) البخاري- الفتح ٧ (٣٧٠٤) .
(٣) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (٩٢) .
(٤) تضور: تلوّى وصاح من وجع الضرب أو الجوع ونحوهما.
(٥) اختلج: أى خطر مع شك.