للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ لكلّ عابد شرّة، ولكلّ شرّة فترة، فإمّا إلى سنّة، وإمّا إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنّة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو، حيث ضعف وكبر، يصوم الأيّام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ليتقوّى بذلك، ثمّ يفطر بعد تلك الأيّام، قال: وكان يقرأ في كلّ حزبه كذلك، يزيد أحيانا، وينقص أحيانا، غير أنّه يوفي العدد، إمّا في سبع، وإمّا في ثلاث، قال:

ثمّ كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ ممّا عدل به أو عدل، لكنّي فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره) * «١» .

٣٣-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير. وكنت أسأله عن الشّرّ. مخافة أن يدركني.

فقلت: يا رسول الله إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ. فجاءنا الله بهذا الخير. فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال «نعم» فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم. وفيه دخن «٢» » قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي. ويهدون بغير هديي «٣» ، تعرف منهم وتنكر» .

فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم.

دعاة على أبواب جهنّم «٤» . من أجابهم إليها قذفوه فيها» فقلت: يا رسول الله؛ صفهم لنا. قال «نعم. قوم من جلدتنا. ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟

قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها. ولو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «٥» .

٣٤-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ مثل ما بعثني الله به- عزّ وجلّ- من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكانت منها طائفة طيّبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها النّاس، شربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنّما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلّم. ومثل من لم يرفع بذلك رأسا. ولم يقبل هدى الله الّذي أرسلت به» ) * «٦» .


(١) أحمد (٢/ ١٥٨) واللفظ له، وقال أحمد شاكر (٩/ ٢٣٥- ٢٤٠) : إسناده صحيح رواه عنه كثير من التابعين، وأخرجه الأئمة في دواوينهم ولكني لم أجده مفصلا بهذا السياق إلا في هذا الموضع، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٣/ ١٩٣) وقال: رجاله رجال الصحيح.
(٢) دخن: قال أبو عبيد وغيره: الدخن أصله أن تكون في لون الدابة كدورة الى سواد. قالوا: والمراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض. ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء.
(٣) هديي: الهدى الهيئة والسيرة والطريقة.
(٤) دعاة على أبواب جهنم: قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر. كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة هذا، لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال، وغير ذلك. فتجب طاعته في غير معصية. وفيه معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها.
(٥) البخاري- الفتح ٦ (٣٦٠٦) ، ومسلم (١٨٤٧) واللفظ له.
(٦) البخاري- الفتح ١ (٧٩) ، ومسلم (٢٢٨٢) واللفظ له.