للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعصية والفسوق والكفر إذا أطلقت المعصية لله ورسوله دخل فيها الكفر والفسوق كقوله: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (الجن: ٢٣) وقال تعالى: وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (هود: ٥٩) * «١» .

٣٨-* (قال جمال الدّين الصّرصريّ:

أنا العبد الّذي كسب الذنوبا ... وصدّته الأماني أن يتوبا

أنا العبد الّذي أضحى حزينا ... على زلّاته قلقا كئيبا

أنا العبد الّذي سطرت عليه ... صحائف لم يخف فيها الرّقيبا

أنا العبد المسيء عصيت سرّا ... فمالي الآن لا أبدي النّحيبا

) * «٢» .

٣٩-* (قال صالح بن عبد القّدوس:

دع عنك ما [قد] كان في زمن الصّبا ... واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب

واذكر مناقشة الحساب فإنّه ... لا بدّ يحصى ما جنيت ويكتب

لم ينسه الملكان حين نسيته ... بل أثبتاه وأنت لاه تلعب

والرّوح فيك وديعة أودعتها ... ستردّها بالرّغم منك وتسلب

) *.

٤٠-* (قال ابن القيّم- رحمه الله- من أعجب الأشياء أن تعرفه ثمّ لا تحبّه، وأن تسمع داعيه ثمّ تتأخّر عنه الإجابة. وأن تعرف قدر الرّبح في معاملته ثمّ تعامل غيره. وأن تعرف قدر غضبه ثمّ تتعرّض له. وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثمّ لا تطلب الأنس بطاعته. وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثمّ لا تشتاق إلى انشراح الصّدر بذكره ومناجاته. وأن تذوق العذاب عند تعلّق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه) * «٣» .

٤١-* (وقال- رحمه الله- مثال تولّد الطّاعة ونموّها وتزايدها كمثل نواة غرستها فصارت شجرة ثمّ أثمرت فأكلت ثمرها وغرست نواها، فكلّما أثمر منها شيء جنيت ثمره وغرست نواه وكذلك تداعي المعاصي، فليتدبّر اللبيب هذا المثال) * «٤» .

٤٢-* (قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-:

قد ذكر غير واحد أنّ عروة بن الزّبير لمّا خرج من المدينة متوجّها إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة كان مبدؤها هناك، فظنّ أنّها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلّا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطبّاء العارفين بذلك، فاجتمعوا على أنّه إن لم يقطعها وإلّا أكلت رجله كلّها إلى وركه، وربّما ترقّت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه


(١) الإيمان لابن تيمية (٥٦) .
(٢) ديوان الصرصري (٣٠) .
(٣) الفوائد لابن القيم (٨) .
(٤) المرجع السابق (٧٠) .