للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منكم على إخوانكم، وأن تكونوا مع ذلك بعيوب أنفسكم أعنى منكم بعيوب غيركم، وأن يستفطم بعضكم بعضا النّصيحة، وأن يحظى عندكم من بذلها لكم وقبلها منكم، وقد قال عمر بن الخطّاب- رضي الله تعالى عنه-: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي، تحبّون أن تقولوا فيحتمل لكم، وإن قيل لكم مثل الّذي قلتم غضبتم، تجدون على النّاس فيما تنكرون من أمورهم وتأتون مثل ذلك، أفلا تحبّون أن يؤخذ عليكم؟

اتّهموا رأيكم ورأي أهل زمانكم، وتثبّتوا قبل أن تكلّموا، وتعلّموا قبل أن تعملوا، فإنّه يأتي زمان يشتبه فيه الحقّ والباطل، ويكون المعروف فيه منكرا، والمنكر فيه معروفا، فكم من متقرّب إلى الله بما يباعده، ومتحبّب إليه بما يبغضه عليه، قال الله تعالى أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً (فاطر/ ٨) الآية.

فعليكم بالوقوف عند الشّبهات حتّى يبرز لكم واضح الحقّ بالبيّنة، فإنّ الدّاخل فيما لا يعلم بغير علم آثم، ومن نظر لله نظر الله له، عليكم بالقرآن فأتمّوا به وأمّوا به، وعليكم بطلب أثر الماضين فيه، ولو أنّ الأحبار والرّهبان لم يتّقوا زوال مراتبهم، وفساد منزلتهم بإقامة الكتاب وتبيانه، ما حرّفوه ولا كتموه، ولكنّهم لمّا خالفوا الكتاب بأعمالهم التمسوا أن يخدعوا قومهم عمّا صنعوا مخافة أن تفسد منازلهم، وأن يتبيّن للنّاس فسادهم، فحرّفوا الكتاب بالتّفسير، وما لم يستطيعوا تحريفه كتموه، فسكتوا عن صنيع أنفسهم إبقاء على منازلهم، وسكتوا عمّا صنع قومهم مصانعة لهم، وقد أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه، بل مالوا عليه ورفقوا لهم فيه» ) * «١» .

١٤-* (قال قتادة- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ (الملك/ ٥) «خلق هذه النّجوم لثلاث:

جعلها زينة للسّماء، ورجوما للشّياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأوّل فيها بغير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلّف مالا علم له به» ) * «٢» .

١٥-* (قال أبو جعفر الطّحاويّ- رحمه الله تعالى- في الطّحاويّة: «ودين الله في الأرض والسّماء واحد، وهو دين الإسلام، وهو بين الغلوّ والتّقصير، وبين التّشبيه والتّعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن واليأس» ) * «٣» .

١٦-* (قال ابن عقيل- رحمه الله-: قال لي رجل: أنغمس في الماء مرارا كثيرة وأشكّ: هل صحّ لي الغسل أم لا؟ فما ترى في ذلك؟ فقلت له: يا شيخ اذهب، فقد سقطت عنك الصّلاة. قال: وكيف؟ قال:

لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتّى يفيق، والنّائم حتّى يستيقظ، والصّبيّ حتّى يبلغ» ، ومن ينغمس في الماء مرارا ويشكّ هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون) * «٤» .


(١) الدارمي (١/ ١٦٦- ١٦٩) رقم.
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ٣٩٦) .
(٣) شرح الطحاوية، لابن العز، نسخة الألباني (٥٨٥) .
(٤) إغاثة اللهفان (١/ ١٥٤) .