بالمهاجرين، وقد ذكر عن عمر أنّه قال لزياد: هل تدري ما يهدم الإسلام؟ زلّة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمّة مضلّون، اتّقوا الله وما حدث في قرّائكم وأهل مساجدكم من الغيبة والنّميمة والمشي بين النّاس بوجهين ولسانين، وقد ذكر أنّ من كان ذا وجهين في الدّنيا كان ذا وجهين في النّار، يلقاك صاحب الغيبة فيغتاب عندك من يرى أنّك تحبّ غيبته، ويخالفك إلى صاحبك فيأتيه عنك بمثله، فإذا هو قد أصاب عند كلّ واحد منكما حاجته، وخفي على كلّ واحد منكما ما يأتي عند صاحبه. حضوره عند من حضره حضور الإخوان، وغيبته عن من غاب عنه غيبة الأعداء، من حضر منهم كانت له الأثرة، ومن غاب منهم لم تكن له حرمة، يغبن من حضره بالتّزكية، ويغتاب من غاب عنه بالغيبة، فيالعباد الله أما في القوم من رشيد ولا مصلح؟ به يقمع هذا عن مكيدته، ويردّه عن عرض أخيه المسلم، بل عرف هواهم فيما مشى به إليهم، فاستمكن منهم وأمكنوه من حاجته، فأكل بدينه مع أديانهم، فالله الله، ذبّوا عن حرم أعيانكم، وكفّوا ألسنتكم عنهم إلّا من خير، وناصحوا الله في أمّتكم إذ كنتم حملة الكتاب والسّنّة، فإنّ الكتاب لا ينطق حتّى ينطق به، وإنّ السّنّة لا تعمل حتّى يعمل بها، فمتى يتعلّم الجاهل إذا سكت العالم؟ فلم ينكر ما ظهر، ولم يأمر بما ترك، وقد أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه، اتّقوا الله فإنّكم في زمان رقّ فيه الورع، وقلّ فيه الخشوع، وحمل العلم مفسدوه، فأحبّوا أن يعرفوا بحمله، وكرهوا أن يعرفوا بإضاعته، فنطقوا فيه بالهوى لما أدخلوا فيه من الخطأ، وحرّفوا الكلم عمّا تركوا من الحقّ إلى ما عملوا به من باطل، فذنوبهم ذنوب لا يستغفر منها، وتقصيرهم تقصير لا يعترف به، كيف يهتدي المستدلّ المسترشد إذا كان الدّليل حائرا، أحبّوا الدّنيا وكرهوا منزلة أهلها فشاركوهم في العيش وزايلوهم بالقول، ودافعوا بالقول عن أنفسهم أن ينسبوا إلى عملهم، فلم يتبرّؤوا ممّا انتفوا منه، ولم يدخلوا فيما نسبوا إليه أنفسهم، لأنّ العامل بالحقّ متكلّم وإن سكت، وقد ذكر أنّ الله تعالى يقول: إنّي لست كلّ كلام الحكيم أتقبّل، ولكنّي أنظر إلى همّه وهواه. فإن كان همّه وهواه لي جعلت صمته حمدا ووقارا، وإن لم يتكلّم. وقال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها (الجمعة/ ٥) لم يعملوا بها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً كتبا. وقال خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ (البقرة/ ٦٣) قال: العمل بما فيه، ولا تكتفوا من السّنّة بانتحالها بالقول دون العمل بها فإنّ انتحال السّنّة دون العمل بها كذب بالقول مع إضاعة العلم، ولا تعيبوا بالبدع تزيّنا بعيبها، فإنّ فساد أهل البدع ليس بزائد في صلاحكم، ولا تعيبوها بغيا على أهلها، فإنّ البغي من فساد أنفسكم، وليس ينبغي للمطبّب أن يداوي المرضى بما يبرئهم ويمرضه، فإنّه إذا مرض اشتغل بمرضه عن مداواتهم، ولكن ينبغي أن يلتمس لنفسه الصّحّة ليقوى بها على علاج المرضى، فليكن أمركم فيما تنكرون على إخوانكم نظرا منكم لأنفسكم، ونصيحة منكم لربّكم، وشفقة