للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: «بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلّم سريّة عينا وأمّر عليهم عاصم ابن ثابت- وهو جدّ عاصم بن عمر بن الخطّاب- فانطلقوا، حتّى إذا كان بين عسفان ومكّة ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصّوا آثارهم حتّى أتوا منزلا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزوّدوه من المدينة فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتّى لحقوهم، فلمّا انتهى عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد، وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا. فقال عاصم: أمّا أنا لا أنزل في ذمّة كافر.

اللهمّ، أخبر عنّا نبيّك. فقاتلوهم حتّى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنّبل، وبقي خبيب وزيد ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق فلمّا أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم فلمّا استمكنوا منهم حلّوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها، فقال الرّجل الثّالث معهما: هذا أوّل الغدر، فأبى أن يصحبهم فجرّروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتّى باعوهما بمكّة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل- وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر- فمكث عندهم أسيرا حتّى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحدّ بها فأعارته. قالت: فغفلت عن صبيّ لي، فدرج إليه حتّى أتاه فوضعه على فخذه، فلمّا رأيته فزعت فزعة عرف ذاك منّي- وفي يده الموسى- فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله. وكانت تقول:

ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب- وما بمكّة يومئذ ثمرة- وإنّه لموثق في الحديد، وما كان إلّا رزق رزقه الله «١» فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال: دعوني أصلّي ركعتين، ثمّ انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أنّ ما بي جزع من الموت لزدت فكان أوّل من سنّ الرّكعتين عند القتل هو. ثمّ قال: اللهمّ أحصهم عددا. ثمّ قال:

ما إن أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ شق كان لله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع

ثمّ قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه- وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر- فبعث الله عليه مثل الظّلّة من الدّبر «٢» فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء» ) * «٣» .

١٢-* (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: شهدت حلف المطيّبين مع عمومتي،- وأنا غلام- فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه» .

قال الزّهريّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لم يصب


(١) هكذا هو في الأصل. والسياق يقضي بنصب لفظ (رزق) على أنه خبر كان، ولم يتعرض ابن حجر لذلك في شرحه الفتح (٧/ ٤٤٣) ولعله على تقدير مبتدأ والأصل: وما كان القطف إلا وجوده رزق.. الخ والجملة في محل نصب خبر كان.
(٢) الظلة من الدبر: أي السحاب من النحل أو الزنابير.
(٣) البخاري- الفتح ٧ (٤٠٨٦) .