للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «١» قد انقطع.

فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي «٢» .

فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن «٣» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «٤» من الطّعام. فلم يستنكر القوم خفّة الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش.

فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت به. وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس»

من وراء الجيش فادّلج «٦» .

فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان «٧» نائم.

فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه «٨» حين عرفني. فخمّرت وجهي «٩» بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه.

حتّى أناخ راحلته. فوطىء على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الرّاحلة حتّى أتينا الجيش. بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة «١٠» . فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره «١١» عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقدمنا المدينة. فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا. والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك «١٢» . ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» . فذاك يريبني. ولا أشعر بالشّرّ. حتّى خرجت بعد ما نقهت «١٣» وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «١٤» . وهو متبرّزنا. ولا نخرج إلّا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التّنزّه.

وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم ابن المطّلب بن عبد مناف. وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصّدّيق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي. حين


(١) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار قرية باليمن.
(٢) هودجي: الهودج مركب من مراكب النساء.
(٣) لم يهبّلن: يقال هبّله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه.
(٤) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة.
(٥) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة.
(٦) فادّلج: الادلاج هو السير آخر الليل.
(٧) سواد إنسان: أي شخصه.
(٨) باسترجاعه: أي بقوله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
(٩) فخمرت وجهي: أي غطيته.
(١٠) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر.
(١١) تولى كبره: أي معظمه.
(١٢) يفيضون في قول أهل الإفك: أي يخوضون.
(١٣) نقهت: أي أفقت من المرض.
(١٤) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها.