وفي قوله تعالى:(رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ … ) الآية، جواب أَيضًا عن شبهة اليهود المتقدم بيانها.
وخلاصة هذا الجواب: أَن المقصود من إِرسال الرسل وإِنزال الكتب، هو الإعذار والإِنذار، وهذا المقصود متحقق، سواءٌ أَنَزَل الكتابُ دفعة واحدة، أَم نزَل منجمًا ومفرقًا، على حسب الوقائع، فكان اقتراح اليهود أَن ينزل الله عليهم الكتاب جملة واحدة، اقتراحًا غير سديد.
(وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حكِيمًا):
أَي:(وَكاَنَ الله) - ولم يزل - (عَزِيزًا) لا يغالَب، ولا يُغْلب فيما يريد، ومِن تمام عزته؛ أَلا يجيب المتعنت ولا ينزل على إِرادته.
(حَكِيمًا): أَي بالغ الحكمة في كل ما يدبر من شئون الكون.
ومن ذلك تدبير أَمر النبوة، وتخصيص كل نبي بنوع من الوحي والإِعجاز، على النحو الذي اقتضت حكمته، مراعاةً للزمان والمكان الذي بعِث فيه كلُّ رسول، كما يشير ختم الآية بهذين الوصفين إلى قدرته - سبحانه - على ثواب من آمن، وعقاب من خالف.
أي: أَنه لما تعنّت أَهل الكتاب، وطلبوا أَن ينزل القرآن على رسول الله ﷺ جملة واحدة وردَّ الله على تعنُّتهم بقوله:(إنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك) الآية. وتمادوْا في التعنت، وقالوا: نحن لا نشهد لك بذلك. قال سبحانه:(لَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) بحقيّة ما أَنزل إِليك من القرآن المعجز الناطق بنبوتك. فكون القرآن على أَعلى درجة من فصاحة اللفظ، وسمو المعنى، وقوة التشريع، وصلاحيته لإِسعاد البشر في كل زمان ومكان، بحيث عجز الأَولون والآخرون عن معارضته، أَو الإِتيان بمثله - كونه بهذا الوضع البديع - معجزة باهرة. وإِظهارُ المعجزة شهادة بينة بصدق من جاءَ بها.
(١) (لكن): للاستدراك، والمستدرك عليه مقدر فهم من الكلام السابق، إذ أن (لكن) لا يبدأ بها الكلام.