هذا نداء من الله ﷾ للمؤمنين، صدرت به الآية لأهمبة الأدب الذي دعت إلى الأخذ به؛ لأن نداء المؤمنين بوصفهم، يذكرهم بأَن الإيمان يقتضى من صاحبه: أن يتلقي أوامر الله ونواهيه بحسن الطاعة.
﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾: كان المسلمون- إذا ألقى الرسول عليهم شيئاً من العلم- يقولون: راعنا يا رسول الله، يريدون منها: انتظرنا وتأن بنا؛ حتى نفهم كلامك ونحفظه.
وهذه كلمة لا شئ فيهما من سوء الأدب، إلا أن اليهود حينما سمعوهم يقولون ذلك، صاروا يخاطبون الرسول بها، محرفين لها عن معناها الذي أراده المسلمون، إذ أَرادوا سبه بنسبته إلى الرعن، وهو الحمق أو الاستهزاء به باللغة العبرانية. فقد كانوا يتسابون فيما بينهم بكلمة ﴿راعنا﴾ العبرانية فاستعملوها مقلدين - في اللفظ- ما ينطق به المؤمنون مع سوه النية، على دأبهم دائما في تحريف الكلم عن معناه، كما حكى القرآن عنهم ذلك في سورة النساء بقوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ (١).
وكان سعد بن عبادة يعرف لغتهم، فلما سمعهم يقولون ذلك، قال لهم: عليكم لعنة الله، لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبى ﷺ لأضربن عنقه فقالوا: أو لستم تقولونها؟ فأنزل الله الآية: نهيا للمؤمنين عن مخاطبة الرسول-ﷺ بهذه اللفظة: لألسنة اليهود، حتى لا يتخذوها ذريعة لسب النبي صل الله عليه وسلم - وإيذائه والاستهزاء به؛ فإن معناها في لغتهم كما قيل: اسمع لا سمعت، وأمرهم أن يقولوا له بدلا عنها ﴿انْظُرْنَا﴾: انتظرنا وتأنَّ بنا؛ حتى نحفظ