الآيتان الأُوليان تمهيد لتوبيخ الثقلين على إخلالهما بموجب شكر النعمة المرتبطة بذاتى كل واحد منهما، والمراد بالإنسان: آدم ﵇ وقيل الجنس الشامل لاولاده، أنهم مخلوقون من الصلصال تبعًا لأَبيهم.
والصلصال: الطين اليابس الذي له صلصلة - أي: صَوْت - إذا نُقِر، وقيل: هو الطين المنتن، من صَلَّ اللحم إذا أنتن، والفخار: هو ما أحرق من الطين حتى تحجر، ويسمى الخزف.
واعلم أن أصل آدم ومنشأَه هو التراب، ثم تحول التراب إلى طين، ثم إلى حمأ مسنون - أي: طين يابس منتن، ثم إلى صلصال كالفخار، ولهذا ترى منشأه يختلف باختلاف الآيات، فتراه في بعضها التراب، وفي أخرى الطين أو الحمأ المسنون أو الصلصال فلا تعارض بينها؛ لأن كلا منها يتكلم على طور من أطوار خلقه، ولا عجب في أن يكون منشأ الإنسان ما ذكر، فإن الله على كل شيءٍ قدير، وهو الذي يقول للشيء: كن فيكون.
وجاء في الآية الثانية: أن الجانَّ خلق من مارج من نار، فالجانُّ أبو الجن، وهو إبليس كما قاله الحسن، وقال مجاهد: هو أبو الجن وليس إبليس، كما جاءَ فيها أنه خلق من مارج من نار، ولفظ (من) في قوله تعالى: ﴿مِنْ مَارِجٍ﴾ يشير إلى مبدأ خلقه، وفي قوله: ﴿مِنْ نَارٍ﴾ يبين المراد من مارج، فإن أصله من مرج الشيء إذا اضطرب واختلط، فيصدق على النار وغيرها، فجاء قوله: ﴿مِنْ نَارٍ﴾ ليبينه، ومعناه كما قال الجوهرى في الصحاح: نار لا دخان لها خلق منها الجان، وعن ابن عباس ﵄ ومجاهد: أنه اللهب الذي يعلو النار، يختلط بعضه ببعض، أحمر، وأصفر، وأخضر - كما نقله القرطبى.